تحيي بلدان العالم والمنظّمات الدولية والإقليمية وفعاليات المجتمع المدني غدا الأربعاء مناسبة اليوم العالمي للعيش معا بسلام الموافق لـ 16 ماي 2017، وهو التاريخ الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بمبادرة من الجزائر السنة الماضية كيوم يتم التعبير فيه عن الرغبة في العيش المشترك والتعاون بين مختلف الشعوب في كنف المحبة والسلام بعيدا عن الضّغينة، وكل أشكال التنافر والإقصاء من أجل تحقيق عالم موحّد في أهدافه ومقاصده الإنسانية رغم الاختلاف العرقي والعقائدي.
كانت لمسة الجزائر واضحة في تكريس هذا اليوم العالمي للعيش في أمن وسلام من قبل هيئة الأمم المتحدة، حيث صادقت 172 دولة على القرار 72 / 130 لشهر ديسمبر من سنة 2017، الذي بموجبه تمّ تكريم 16 ماي من كل سنة يوما عالميا للعيش بسلام، والعمل على ترقية المصالحة ومبدأ التعايش السلمي دون تمييز عرقي أو ديني وثقافي أو إقصاء بين الأفراد والفئات الاجتماعية، وهي تقريبا أبرز المبادئ السياسية التي حملها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أقرّه رئيس الجمهورية في الجزائر، ومهّد لاسترجاع الأمن والسلام بين الإخوة بعد سنوات من الصراع، ثم التوسع ليشمل خطوات أخرى اجتماعية وتضامنية للتكفل بكل ضحايا المأساة الوطنية وإعادة زرع الأمل مجدّدا بين أبناء الوطن للعيش في سلام وطمأنينة بعيدا عن الصراعات الهامشية، والتطاحن من أجل أغراض دنيوية وسياسية زائلة.
ومن خلال هذه التجربة الجزائرية الرائدة التي تحوّلت إلى قبس لكثير من شعوب العالم محل نزاعات وانقسامات التي تبحث عن السلم والعيش في سلام وحل كل الخلافات بالحوار والتفاوض، يمكن استخلاص الدروس المحلية أيضا التي جاءت كثمرة لسياسة الوئام والمصالحة الوطنية انطلاقا من ولاية بومرداس التي تعتبر من أكثر مناطق الوطن تضرّرا من هذه المحنة التي ألمّت بالسكان طيلة عشرية كاملة من العنف والفوضى، أكلت الحرث والنسل وزرعت بدل البسمة دموعا وأحزان بين المواطنين، وشرّدت عشرات العائلات خاصة الريفية منها التي كانت تقطن مناطق الصراع، حيث اضطرت إلى الهجرة الداخلية نحو مراكز المدن بحثا عن الأمن والسكينة، وهروبا من جحيم العنف الذي كان ساكنا في جنبات الأحياء والقرى، فجاء قانون الوئام المدني الذي أقرّه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وصادق عليه الشعب الجزائري بنسبة 98,6 بالمائة بتاريخ 16 سبتمبر من سنة 1999، حيث وضع الأسس الأولى لمشروع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بين الجزائريين الذي كرّسه رئيس الجمهورية كخيار حضاري وحل جذري وشامل للأزمة، وهو المشروع الذي تبنّاه الشعب الجزائري في استفتاء سنة 2005 بنسبة 97 بالمائة، وتحوّل إلى قانون للمصالحة الوطنية سنة 2006 سمح بمسح آثار المحنة والتكفل بكل الأطراف المتضررة استعدادا لإعادة اللحمة والتماسك الاجتماعي مجددا بين الجزائريين، وهو ما عاشته ولاية بومرداس التي استفادت من تدابير هذا القانون ممّا مكّن عودة العائلات المهجرة إلى سكناتها ومناطقها الأصلية، خاصة وأن المشروع حمل أيضا شقا اقتصاديا واجتماعيا من خلال إعادة التكفل بمخلفات الأزمة وتصويب كل الجهود نحو متطلبات التنمية المحلية والتهيئة الحضرية وتوفير أساسيات الحياة من ماء وغاز ومرافق عمومية، وفتح قاعات العلاج المغلقة وتجديد شبكة الطرقات الولائية والبلدية، وفتح المسالك الجبلية لفائدة الفلاحين الذين كانوا محرومين من النشاط بأراضيهم الزراعية بسبب تدهور الوضعية الأمنية، وبالتالي يمكن القول أن بومرداس قد استرجعت عافيتها واستقرارها، ومن حقها أن تنحني اليوم إجلالا لكل هذه المجهودات وفضائل قانون المصالحة الوطنية، الذي لم يعد حكرا على الشعب الجزائري بل تحول إلى مرجعية لكل الشعوب المحبة للسلام، والدليل هو استعداد دول العالم للاحتفال بهذا اليوم تقديرا لتضحيات الوطنيين المخلصين.