يحمل عنوان «العيش معا في سلام» دلالات سياسية اجتماعية وثقافية ثريّة في الجزائر بحكم تجذّرها في ذهنية المجموعة الوطنية تظهر في أسمى صورها، لكن العادة تجعلنا لا نقدّر حضورها الدائم المفعم بالقيم الثّابتة الداعية إلى تمتين أواصر العلاقات الانسانية النّابعة من أعماق المجتمع، توارثها جيل عن جيل ترمي كلّها إلى إبقاء الكيانات مبنية على قواعد سليمة وأسس صحيحة قادرة على مواجهة كل طارئ يراد المساس باستقرارها.
و»العيش معا في سلام» هي دعوة جزائرية بامتياز أقرّتها الأمم المتحدة كل سنة، وبالضّبط في تاريخ ١٦ ماي تقديرا واعترافا لكفاءاتها العالية في إدارة الملف المتعلّق بالقبول بالآخر، والتحاور معه وإدماجه في كل المبادرات بأبعادها الداخلية والخارجية التي تسعى إلى لم شمل الجميع، وإدراجهم ضمن التوجه القائم على خيارات وطنية كالمصالحة التي أسّست لفكر التسامح والصّفح، وفي مقابل ذلك، أبعدت كل ما من شأنه البقاء رهين الانتقام والحقد.
بالاضافة إلى كل هذا فإنّ المصالحة تعتبر مسارا للعيش في سلام بين أبناء الشّعب الواحد، بدأت بالوئام المدني في وقت قياسي احتضنها الجزائريون عن قناعة كاملة، وقد تحقّق كل ما تضمّنه ميثاق السّلم في إعادة اللّحمة وتضميد كل الجراح من أجل العيش معا في سلام.
وعلى غرار الدّلالات السياسية فإنّ هناك المشاهد الحاملة للوقائع الاجتماعية والثّقافية، المعبّرة فعلا عن العيش في سلام جماعيا قد تبدو أحيانا للمرء عادات وتقاليد، لكن عندما نتعمّق في قراءة خلفياتها الايجابية نلاحظ بأنّها الفضاء الصّلب الذي مكّن من بقاء الانسان الجزائري صامدا في وجه المحاولات اليائسة الرّامية إلى فصله عن هذه الأطر الاجتماعية والثقافية، مفضّلا دائما العيش مع المجموعة في سلام.
لا تخلو الجزائر العميقة من هذه العوامل المؤدية إلى تحقيق ذلك المبتغى الراقي الذي نصبو إليه دائما منها ما يعرف بالتويزة، الوزيعة، تيمشرط، الفنطازيا والوعدات بالمفهوم الايجابي، وكذلك المحافل الشّعبية الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، كلها تشدّد على العيش في كنف السّلام ضمن الوحدة الوطنية.
من خلال هذا الملف الذي أمامنا نحاول الإلمام بتلك الدلالات لمغزى العيش معا في سلام من خلال عيّنات حية لما ذكرناه سالفا.
وهذا بالتّركيز على تلك النّماذج المتجذّرة في مجتمعنا، والتي لايمكن تحييدها أو إبعادها عن صناعة اللّوحة المتنوّعة المشكّلة لتجانس الألوان الخاصة بالعيش في سلام، هي جزء لا يتجزّأ من التركيبة المجتمعية تضفي تلك الصّفة النّسقية والطّابع المجسّد للسيرورة العامة لثقل انشغال الضّمير الحي في إثبات تلك القيم.
ونود من خلال ما ننقله إلى القارئ الكريم هو أن كل هذه المنظومة المتكوّنة من الحركات الضّاربة بجذورها في أعماق المجتمع الجزائري متمسّكة بتلك الصلة الوثيقة بين الأفراد، تترجم عمليا في شكل مواعيد ذات الطّابعين الاجتماعي والثقافي، كانت دائما الحصن المنيع لأيّ تشرذم مرجعيتها الاتحاد بين الأفراد للعيش معا في سلام.