لم يعش الوطن العربي حالة من الضّغف والتشرذم كما يعيشها اليوم، ولم يعرف وضعا صعبا تدهورت فيه أحواله السياسية كما الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مثلما يعرفه منذ أن فجّر الرّبيع الدّموي أنهار الدّماء وحفر أخاديد الانقسام والفرقة، حتى باتت بلاد العرب من مشرقها إلى مغربها غارقة في أزمات وصل سقف بعضها درجة الحرب الأهلية، في حين انحصرت الأخرى بين تكالب الإرهاب ودمويّيه من جهة، وبين كمّاشة المعضلات الاقتصادية والتوتّرات الاجتماعية من جهة ثانية.
العرب اليوم في وضع لا يحسدون عليه، فأينما تولي بصرك ترى نارا مشتعلة واضطرابات متصاعدة، وحيثما تضع أذنك تسمع أنين البائسين من الشعوب العربية التي أكلت الطّعم، ووقعت في الفخ لمّا اعتقدت قبل ثمانية أعوام بأنّها بالفعل ستحدث التغيير المأمول، لتجد نفسها في نهاية المطاف، أمام نتائج كارثية، أزمات وحروب دمويّة مدمّرة، مؤسسات منهارة، اقتصاد يئن، شرخ يُمزّق النسيج الاجتماعي، وأموال إمّا ينهبها لصوص الثروات في وضح النّهار، أو تضيع في اقتناء السلاح لمحاربة الإرهاب الذي غُرست شوكته في جنبات الوطن العربي عمدا أو لمحاربة الدول العربية بعضها لبعض، طبعا فزمن حرمة الدّم والموقف الواحد لم يعد له وجود اليوم، لنقف على مواقف عربية متضاربة وولاءات خارجية انتحارية، وتنازلات لا يتصوّرها العقل.
وبالنّظر إلى هذا «الرّيتم» من الانهيار والاضمحلال، لا نستعبد تخلّي العرب حتى عن ورقة التّوت، خاصّة وأننا نراهم يعبثون بقضيتهم الأولى فلسطين، ويتسابقون من حيث يدرون أو لا يدرون إلى بيعها بثمن بخس، وهاهم يلتزمون الصّمت ويدفنون رؤوسهم في الرّمال، في الوقت الذي يستعد فيه ترامب إلى إقامة احتفالات صاخبة بمناسبة نقل سفارة بلاده إلى القدس الاثنين القادم، بل إننا قد لا نتفاجأ بحضور بعضهم هذه الاحتفالات التي قرّر الفلسطينيون أن يحوّلوها إلى موعد لانتفاضة جديدة.
الكتابة عن الحالة العربية اليوم، يشعرنا بألم شديد، فهذا الوطن المترامي الأطراف الذي حباه الله بثروات مادية وبشرية هائلة، ما كان يجب أن يصبح على هذا الهزال وهذه المازوشية التي تثير سخرية الكثيرين...
ما كان لهذا الوطن أن يترك نفسه في مهبّ هذه الأعاصير التي تهزّ أركانه، ولا أن يقبل خوض حروب بالوكالة على أراضيه ويدفع هو تكاليفها.
وفي خضّم هذا الوضع المثير للشفقة والحسرة يبقى السؤال مطروحا «ما الذي قادنا إلى هذا الإنحدار وألقى بنا في هذا الوحل ؟».