ليس من موعد أفضل مثل اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة لإنصاف الزميل المرحوم عبد الجليل جلالي، الذي تمّ تكريمه بعد الوفاة، أمس، من طرف الرئيسة المديرة العامة لجريدة “الشعب” عرفانا لما قدّمه طيلة حوالي أربعة عقود من العمل الصحفي، والتزامه الوطني وتشبّعه بقيم عالية في الأخلاق والاستقامة المهنية.
ابنه محمد أمين وقد صار رجلا ما شاء الله، والذي كان يصطحبه في سنوات خلت إلى مقر الجريدة ثمّن الالتفاتة التي ما أن علمت بها أسرة الراحل حتى عبّرت عن ارتياحها وفخرها، مثمّنة على لسان أحد أقاربها المبادرة، حيث أعرب عن شكره لمديرة الجريدة وللفرع النقابي ولكافة أسرة “الشعب” التي ترك فيها عبد الجليل أثرا مهنيا من خلال غزارة قلمه السيال ونشاطه الدؤوب إلى أن أحيل على التقاعد قبل أن يتوفاه الله برحمته الواسعة.
كان للزّميل الراحل ، صاحب نكتة ويحبذ النقاش الهادئ ، مسار مهني طويل تميز بالعطاء والعمل في صمت، متحمّلا ضغوطات المهنة إلى درجة قلّما تحتمل اليوم، وثابر واجتهد لينتزع الاحترام من حوله. كانت الصحافة بالنسبة إليه مهنة ترقى فيها القيم وتسطع الكلمات حتى ولو كان المقال يتضمن مواقف لا يقبلها طرف أو يمتعض منها آخر، ذلك أن الصحافة بقدر ما تضع صاحبها قريبا من مراكز القرار في المجتمع بقدر ما يجب أن يحرص على البقاء على مسافة تحفظ له الاحترام ويحسب لها حساب في الفضاءات والدوائر المهتمة أو المتابعة، فيساهم الصحفي بذلك في الرفع من مستويات الرأي العام.
الرجل بقدر ما يمكن يحدث أن تختلف معه لا يخلط ذلك مع المسائل الإنسانية، ولا يتعدى خط الإساءة للغير مع حرصه على موقفه ويدافع عنه بشراسة ضمن آداب النقاش. حمل سنوات العمل مختلف القضايا العربية والإسلامية، فيصاب أحيانا بإحباط أمام الانكسارات العربية وأحيانا بعنفوان مستندا للتاريخ المجيد للأمة العربية، وقد انحز في مساره المهني اعمالا صحفية بالغة القيمة من بينها حوار أجراه للامين العام الأسبق للأمم المتحدة دي كويلار وحاور كبار المسؤولين في الجزائر من وزراء ورؤساء حكومات، وأمضى فترة معتبرة في تغطية نشاط المجلس الشعبي الوطني في الثمانينات، حيث كان بفضل علاقاته المتينة يحصل على مشاريع القوانين قبل أن تطرح ويصل إلى المصدر بسهولة لما تميز به من قدرة على بناء علاقات مع المحيط.
