غالبا ما يقترن الإعلام بالثقافة، كون الكتابة الصحفية أو الخبر المصوّر أو المذاع على أمواج الأثير يحتاج في حد ذاته لصناعته وتقديمه نوعا من الإبداع، سواء في الحرف والصياغة أو في التقديم والإلقاء، فإذا لابد للإعلام أن يتحلى بالكثير من الثقافة وشيء من الموهبة ليتسنى له تقديم مهامه، خاصة وإحدى ركائزها هي تثقيف، توعية وترفيه الجمهور.
وغالبا ما تتوطّد العلاقة بين الإعلامي والمثقف سواء كان أديبا، فنّانا، رسّاما، ممثّلا أو مطربا، فالأول يخدم الثاني من خلال التعريف بأعماله وموهبته وتقديمه للجمهور، والثاني يسعى لكسب حضور الأول في سياق ظهوره هو في المشهد الثقافي.
لكن هذه المعادلة المتكافئة التي عرفت عصرها الذهبي خلال السبعينات والثمانينات وحتى بداية التسعينات، في عصر انتعاش الحركة الثقافية واهتمام الإعلام بمواكبة أعمال وإبداعات النخبة المثقفة سواء في الداخل أو الخارج، فاتحا بين صفحاته وفضاءاته مجالا لها للمساهمة وإبداء الرأي، فأصبح المثقف إعلاميا والإعلامي المتخصص في هذا المجال، يعاني اليوم من اختلال كبير ولدته ظاهرة طغيان الأخبار السياسية والأمنية والإخبارية والاقتصادية على الأخبار الثقافية، وغالبا ما نجد الأقسام الثقافية هي القريب الفقير الذي يضحى به في كل مرة و تؤجل مادته أو تلغى تغطياته.
الحاجة ماسة اليوم، إلى إعادة المعايير لنصابها وتصالح الإعلام مع الثقافة وإعطائها المكانة المتميزة التي تليق بها، خدمة للإبداع ومساهمة في إثراء المشهد الثقافي، وتعريفا بالمبدعين من فنانين وأدباء ورسامين تشكيليين وغيرهم، وبأعمالهم التي تدخل في الهوية الوطنية وذاكرة المجتمع الثقافية.
فهل يعود عصر الملحقات الثقافي الحصص الدسمة وعميقة المعنى، التي ينشطها النخبة والإعلامي على حد سواء؟ وهل يتفطّن الإعلاميّون والقائمون على المؤسسات الإعلامية إلى ضرورة إعادة النظر في الأهمية التي يكتسيها الإعلام الثقافي في تنوير الرأي العام وتثقيفه، خلق الفارق في جودة المادة الثقافية المقدمة للمتلقي وإنصاف مجهود النخبة المثقفة، ومواكبة إبداعاتها ونشاطاتها الفنية والفكرية المتعدّدة؟
