لنصنع من النكبة يوما للإنتصار

سعيد بن عياد
10 أفريل 2018

أحدثت المظاهرات التي يعبّر من خلالها الشعب الفلسطيني في غزة بالأخص، وبعض المبادرات المحدودة في الضفة الغربية، صدمة لدى أجهزة الكيان الإسرائيلي الغاشم الذي أصبح يعيش كل يوم جمعة كابوس الحقيقة التاريخية، التي تؤكد أنه اغتصب الأرض وشرّد شعبها ويستعمل الإرهاب لمحاولة كسر روح المقاومة.
مظاهرات العجلات المطاطية أعادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة في المشهد الدولي بعد أن كادت أن تغطي عليها اضطرابات ما يسمى» الربيع العربي» الحامل للخراب والفتن وضياع موارد الشعوب لصالح قوى عالمية تصنع القرار الدولي بنفوذها وجبروتها ولا تترك مجالا للبلدان الناشئة لتساهم في صياغة نظام دولي جديد يقوم على سلطة القانون الدولي.
 هذا الأخير لا يزال عاجزا عن تجسيد أحكامه ومعاهداته وأنظمته في معالجة قضايا دولية تتعلّق بتصفية الاستعمار وتمكين شعوب من تقرير المصير الذي تكلفه مواثيق الأمم المتحدة.
 لقد ساير الشعب الفلسطيني من خلال قيادته الشرعية طيلة مختلف المراحل الخيار الدبلوماسي وانحاز للشرعية الدولية من أجل تمكينه من انجاز أهدافه السياسية والاقتصادية عن طريق استرجاع حقوقه الشرعية بضمانات من الأمم المتحدة وبالأخص القوى الدولية الفاعلة التي رعت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أنه تفطّن وبشكل واضح أنه راح مرة أخرى ضحية خديعة دولية لا تقلّ مكرا وخطرا عن تجارب سابقة تنصّل فيها كبار العالم بقيادة أمريكا من التزاماتها، لتخرج للعالم بقرار لم يسبق لرئيس أمريكي أن تجّرأ على اتخاذه بعد أن أعلن دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، ضاربا بالتاريخ والمعاهدات ومواقف بلاده عرض الحائط، متجاوزا الأعراف الدولية وغير آبه بمعاناة الشعب الفلسطيني وتطلّعاته المشروعة في نيل حقوقه تحت مظلة الأمم المتحدة. وطبيعي أن يجد الكيان المحتل الظرف مواتيا ليرفع من وتيرة جرائمه التي تقع تحت طائلة القانون الدولي والجنائية الدولية، فيستبيح مجددا العزّل دون أدنى تمييز ودون أن يتحرّك الضمير الإنساني العالمي الواقع تحت تأثير فادح للدعاية الصهيونية وأدواتها عبر العالم، مستفيدا من مناخ تراجع فيه معيار حقّ الشعوب المستضعفة لصالح قوى لا مكان للقيم لديها تسعى بكل الوسائل لتكريس الهيمنة بكافة الطرق بما فيها التغطية على جرائم مثل التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، هذا الأخير لم يجد من خيار للتغطية على جرائمه البشعة سوى أن يستهدف بالرصاص كل ما يعتقد أنه مصدر خطر مثل المصورين الصحفيين الذين تحولوا في خضم تطورات الأحداث التي تؤجج وتهيئ ليوم النكبة في منتصف شهر ماي القادم، إلى هدف في مرمى نيران القناصة. ومن الطبيعي أن يخشى المجرم من أن تلتقط صورة تنقل للرأي العام العالمي تفاصيل جريمته وكأنه أصبح يخاف من الصورة أكثر من الكلمة.
 بالفعل تحولت الصورة بمختلف أشكالها إلى سلاح يدوّي داخل منظومة الكيان الإسرائيلي، ويفعل مفعوله أكثر من السلاح التقليدي، حيث يكشف مدى تورط جيوشه في أوحال الجريمة ضد الإنسانية مستفيدا من صمت وتواطؤ دوليين لم يعد ممكنا تجاهله بعد أن استنهض الشعب الفلسطيني العزيمة متقدما بثقة على درب استرجاع الحرية وكسر قيود الاحتقار والعبودية مثلما باغتت به الطفلة الباسلة عهد التميمي، لما وجّهت بما تملك من إرادة صفعة إلى عسكري صهيوني أسقطت به «كبرياء» المجرم لتوقّّع استئناف النضال السلمي بعد أن أدرك أصحاب القضية أن كل ما يجري منذ الربيع المزعوم من ضرب لدول، ونشر للفوضى يستهدف القضية الفلسطينية.
 لكن حتى لا تذهب كل تلك التضحيات في مهبّ رياح صراعات داخلية تغذيها ارتباطات خاطئة مع مراكز نفوذ إقليمية ودولية يتحمل، قادة المنظمات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وخاصة السلطة الوطنية وحركة حماس مسؤولية سوف يحكم عليها التاريخ في فهم دقيق ونوعي للتطلعات الفلسطينية والتوجه بسرعة إلى تجاوز خلافات لها علاقة بالسلطة والحكم إلى مرحلة التعبير عن جوهر القضية التي ظلمها التاريخ والقانون الدولي وهمشها الضمير الإنساني وطعنها غدرا ذوو القربى، ورد الجميل للشعب الفلسطيني في يوم النكبة ليتحوّل إلى يوم الانتصار الذي يبدأ بانتصار على الذات يليه انتصار كبير على العدو المتعجرف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024