احتقان الداخل وهزائم الخارج

فضيلة دفوس
03 أفريل 2018

بين احتقان الداخل والانكسارات الدبلوماسية الخارجية، يجد المغرب نفسه في مأزق حقيقي لا يدري أي مخرج يقوده للخلاص من الحبل الذي يضيق حول عنقه.
ورغم الحملة الأمنية التي يشنّها المخزن لإجهاضه، فالحراك الاجتماعي ماضٍ في التوسّع والتمددّ ولا تبدو في الأفق ملامح غلبة للسلطة، بل على العكس تماما، لأن الاحتجاجات التي بدأت صغيرة في نوفمبر 2016 إثر مصرع بائع السمك محسن فكري طحنا في شاحنة نفايات بمدينة الحُسيمة، أخذت تكبر ككرة اللهب وتمتد من مدينة إلى أخرى، لتتلقّفها منذ أزيد من ثلاثة أشهر مدينة جرادة.
والشرارة التي ألهبت هذه الأخيرة لا تختلف كثيرا عن تلك التي أشعلت نيران الغضب في الريف، حيث كان مصرع الشقيقين الحسين وجدوان الدعيوي في منجم للفحم، القطرة التي أفاضت الكأس وأخرجت السكان إلى الشوارع منتفضين ضد وضعهم الإجتماعي، فالفقر أصبح فراشهم والبطالة لحافهم والإحساس بالتهميش رغيفهم اليومي، لهذا قرروا تغيير هذا الواقع المرّ، إذ لا يعقل أن يولّي النظام وجهه تجاه أفريقيا ويدير ظهره لمطالب شعبه في التنمية وإيجاد مصدر رزق يقتات منه.
والمفارقة العجيبة، أن السلطات المغربية وعوض أن تبحث عن حلول جدية تلبي مطالب المنتفضين، اعتمدت الخيار الأمني، فزجّت بنشطاء الريف الواحد تلو الآخر في غياهب السجون وحاكت ضدهم تهما خطيرة تقودهم إلى حبل المشنقة.
ونفس الشيء فعلته مع المحتجين في جرادة، خاصة بعد أن أصدرت قرارا يمنع التظاهر إلا بتصريح منها.
لكن رغم حملات الاعتقال والقمع والمحاكمات الجائرة، فالحراك الاجتماعي متواصل وهو يضع المغرب على رمال متحركة قد تبتلعه إذا أصر على سياسة الهروب إلى الأمام وتمسّك بعدم الاستجابة للمطالب الشعبية المرفوعة وتجاهلها.
لكن من المهم القول، إن وجع المغرب الشقيق غير ناتج فقط عن الاحتجاجات التي تهز مدنه، بل أيضا عن الصّفعات التي يتلقاها من أكثر من جهة، والمرتبطة بالقضية الصحراوية.
 فهو كان يعتقد بأن انضمامه من جديد للاتحاد الإفريقي، سيمكّنه من طرد الجمهورية العربية الصحراوية من هذا المنتظم، أو على الأقل جعل دوله تراجع اعترافاتها بها، لكن الذي حصل أن إفريقيا تمسكت أكثر بأحقّية الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وحتى أوروبا التي تدعم بعض دولها الفاعلة بشكل مطلق احتلال المغرب للصحراء الغربية، وقفت في وجه النهّب المتواصل لثروات الإقليم المحتل، وأقرت محكمة عدلها بصريح العبارة، أن الجمهورية الصحراوية إقليم مستقل تماما عن المملكة المغربية، ولا يحق لهذه الأخيرة أن تمارس سلطتها على أراضيه وثرواته. والصفعة الأشد إيلاما، صدرت عن الموقف الأممي والأمريكي.
فالمبعوث الأممي هورست كوهلر، يبدي إرادة حقيقية في حل القضية الصحراوية وهو يتحرك على أكثر من صعيد وجهة لاستئناف المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع: المغرب والبوليزاريو. والرجل المعروف بحياده، وضع منذ البداية النقاط على الحروف، فحدّد أن النزاع في الصحراء الغربية هو بين المغرب والصحراويين وليس بين الجزائر والمغرب، كما يزعم هذا الأخير. والتسوية تقوم على مفاوضات مباشرة، وليس عبر سياسة الأمر الواقع التي يريد الاحتلال فرضها من خلال حصر الحلّ في خيار وحيد فصّله على مقاسه.
كما أن الموقف الأمريكي الأخير جعل فرائصَ الاحتلال ترتعد، حيث أعلنت الولايات المتحدة بكل صراحة ووضوح، أنها تدعم بقوّة مسار المفاوضات الذي تقوده الأمم المتحدة، وتأمل بأن يحقق هذا المسار حلاّ سياسيا عادلا ودائما يقبله الطرفان ويضمن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي.
الموقف الأمريكي المزلزل بالنسبة للمغرب، من شأنه أن يعيد قطار تسوية القضية الصحراوية إلى سكّته الصّحيحة، خاصة إذا علمنا أن واحدا من داعمي الحقّ الصحراوي في تقرير المصير، وهو جون بولتون، دخل البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي.
يبقى أن نؤكد في الأخير، أن ملامح الحلّ في الصحراء الغربية بدأت تتّضح، وعلى المغرب أن يلتزم بالشرعية الدولية، ليتفرّغ لمواجهة التحديات الداخلية التي تعترضه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024