إذا كان من الصعب تغيير الذهنيات، كما يؤكده مختصون في علم «المناجمنت»، يمكن الرهان في ذلك على تغيير السلوكات على مستوى المتعاملين ورؤساء المؤسسات والمستهلكين بما فيهم الذين يتوفرون على أريحية مالية لتتطابق مع معايير المواطنة الاقتصادية خاصة في ظل ظروف مثل التي تمر بها بلادنا اثر انهيار أسعار المحروقات. وفي ظل ارتباط المنظومة الاقتصادية بإيرادات النفط التي تراجعت كثيرا أصبح من الضروري العمل على تنمية سلوكات يطبعها اقتصاد النفقات وترشيد الموارد وطلب المنتوجات الجزائرية لما في ذلك من انعكاسات ايجابية على الساحة الاقتصادية التي تتطلع لبعث النمو عن طريق انجاز الانتقال إلى اقتصاد إنتاجي خلاّق للثروة ويقبل المنافسة. ومن الخبراء من يعتبر أن الأزمة القائمة ليست مالية أو اقتصادية بقدر ما تتعلق بأزمة سلوكات بالنظر لمؤشرات المشهد الراهن، حيث في الوقت الذي تضخ فيه الدولة موارد مالية من خلال الحرص على انجاز برامج استثمارات واسعة، يطرح سؤال بعلامة استفهام كبيرة حول موقع القطاع الخاص الوطني من كل هذا، خاصة فيما يخص مساهمته في تنمية الموارد المالية التي يتطلبها تحصين جانب الأمن المالي للمجموعة الوطنية.
في بلدان متطوّرة لما تداهمها أزمة تحمل تهديدات فيها مخاطر على الاستقرار بسبب محدودية الموارد العمومية، يبرز القطاع الخاص ليعبر عن انتمائه لمحيطه بإبداء إرادة ملموسة في تقديم الإضافة اللازمة لتغطية عجز أو ملء فراغ أو ابتكار حلول لمعضلات قائمة تشكل انشغالا وطنيا لا مجال لتجاهله أو تصنيفه ضمن قضايا الدولة فقط. ويكفي النظر في تجارب أكثر من بلد في مختلف القارات للتأكد من قيمة الانتماء الاقتصادي والجاهزية لتحمل المسؤولية الوطنية. أبرز مثال لشعوب عبرت من خلال اعتماد سلوكات المواطنة الاقتصادية ما تحقق في اليابان حيث ما أن ألغيت الحواجز الجمركية من السوق حتى رسختها في أذهان الأجيال التي تفضل منتوجات بلادها أمام منافسة غيرها من بلدان جد متطورة ويعكس هذا درجة الوعي بأن ذلك يقود حتما إلى حماية مناصب العمل وحماية جهاز الإنتاج وتنمية الثروة.
لقد حظيت المؤسسة الجزائرية الخاصة ضمن خيارات النمو بمرافقة ومزايا وتحفيزات حرصا على أن تكون أداة وطنية في تجسيد مسار التنمية الشاملة في كافة القطاعات خاصة تلك التي يعوّل عليها في بناء التحول وساهم جانب كبير منها في هذا المجهود، الذي يستدعي تعزيز وتيرته التفاف جميع الفاعلين حول القرار الاقتصادي الوطني للخروج من دوامة أزمة ناجمة عن عواصف عولمة تستهدف الاقتصادات الناشئة. ولعل ما يمكن ان يبادر به هؤلاء إعطاء المثل من خلال التمتع بسلوكات مفيدة تستجيب للانشغالات مثل اقتصاد المصاريف، الميل للمنتوج المحلي على ما فيه من نقائص، طلب الكفاءات والثقة في قدراتها، إقناع الشركاء بجاذبية السوق الجزائرية، خاصة في السياحة التي تحتاج لدفع يقدمه أصحاب الثروات بدل إنفاقها في وجهات أجنبية تستفيد من جانب هام من الموارد الوطنية.
أليس غياب مثل هذه السلوكات أحد عوامل هشاشة حلقة الثقة في معادلة الشراكة بين العام والخاص التي أعطى لها البعض قراءات سلبية، بينما تندرج في العمق ضمن المسار الوطني لحشد الموارد وتجنيد القدرات الجزائرية حول مشاريع استثمارية لا مجال فيها لأغراض أخرى لا توجد في قاموس الحاملين لتطلعات الاقتصاد الوطني من خلال إدراك أن المستقبل يحمل تحديات تفرض على الشركاء الانسجام والتكامل لتكون المؤسسة الجزائرية فعلا القاطرة التي تجر قطاعات النمو، لكن بسلوكات ايجابية.