المنعطف الصّعب

فضيلة دفوس
20 مارس 2018

مثلما فعل مع نشطاء الريف السنة الماضية، ها هو المغرب يلجأ إلى استخدام القوة والترهيب ضد مواطنيه في مدينة جرادة  لانّهم فقط خرجوا في احتجاجات سلمية للمطالبة بحقهم في  الحصول على فرصة عمل توفّر لهم لقمة العيش وتحفظ حياتهم التي أصبحت المنية تترصّدها كل صباح ومساء داخل  «الساندريات» أو مناجم الفحم العشوائية، حيث يعتبر الداخل إليها ميّتا لا محالة.
فبعد خيار الحل الأمني الذي تبنّاه السنة الماضية لإجهاض حراك الريف والحسيمة وبعد أن ألقى بمئات الشباب المنتفض في غياهب السجون ملفّقا لهم تهما تصل عقوبتها إلى حبل المشنقة  كتهمة الدعوة إلى الانفصال وتهديد الوحدة الوطنية، ها هو النظام المغربي يعود ليستنسخ نفس السياسة البوليسية القمعية،من خلال إصدار قرار يمنع كل أشكال الاحتجاج في جرادة إلا بتصريح منه، والدفع بقواته لمواجهة المتظاهرين السلميين   الذين كلّ ما يطالبون به هو توفير بديل اقتصادي حقيقي في مدينتهم الفقيرة وفق جدولة زمنية محددة، وأيضا حلّ جذري لمعضلة فواتير الماء والكهرباء التي طالما اشتكوا من ارتفاعها المبالغ فيه.
سياسة العصا التي تبناها المغرب للردّ على مطالب مواطنيه في جرادة، أدّت إلى اعتقال عشرات المحتجين، والمفارقة أن قوات المخزن لا تستثني من قمعها حتى الأطفال، إذ بين الموقوفين عدد من القصّر، ما يعني أن أياّما حالكة تنتظر أهل هذه المدينة التي ظلّت مثل العديد من المدن المغربية تعيش على الهامش، فلا تصلها مشاريع تنمية، ولا يسمع آهات شعبها حاكم فضّل أن يدير ظهره لشعبه ويوجّه بوصلة إهتمامه صوب القارة السمراء.
ولا أتصوّر أنّ أحدا يفاجئه ردّ السلطات المغربية على احتجاجات جرادة، وقبلها حراك الريف، فمعروف أن المملكة وعلى مرّ التاريخ لم تعتمد إلاّ على القوة والعنف لمواجهة كل من ينتفض ضدها، وهي نفس السياسة التي تنتهجها ضدّ الشعب الصحراوي المطالب بحقه في تقرير المصير والاستقلال، وما يتعرّض له معتقلو مخيّم أكديم أزيك من بطش وانتهاكات خير مثال على ذلك.
 المغرب اختار المواجهة مع الشعب، والخيار كما نرى لا ينمّ عن حكمة بل على العكس تماما، لأن نتائجه داخليا، ستكون مزيدا من النقمة الشعبية ضد السلطة، وإصرار على مواصلة الاحتجاج والتظاهر لانتزاع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المشروعة، والمرجّح أن يتواصل حراك جرادة، وقد يتمدّد إلى مدن أخرى  تفترش الفقر والتهميش.
أماّ خارجيا، فالانتقادات بدأت تحاصر العرش من كلّ جهة، وتطالبه بالتوقف عن استخدام القوة المفرطة وترهيب المحتجين السلميين من طرف قوات الأمن التي بدل أن تحمي المواطنين العزّل، قامت - حسب ما أوردته «أمنستي» ـ بدفع شاحنات تابعة لها لدهس حشد من المتظاهرين ما أدى إلى إصابة العشرات.
لاشكّ أن المغرب يوجد في وضع داخلي لا يحسد عليه، كما أنه يواجه انتكاسات متتالية بخصوص القضية الصحراوية، آخرها قرار محكمة العدل الأوروبية، لكن هذا لا يبرّر مطلقا معالجته الأمنية القمعية لحركة اجتماعية سلمية مشروعة، عليه أن يدرك بأن السّحر سينقلب حتما على السّاحر، والقوة تفاقم المشاكل ولا تحلّها مطلقا، ومراجعة الخيار الأمني حتمية قبل فوات الأوان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024