تمر، اليوم، 56 سنة على توقيع اتفاقيات إيفيان التي وضعت حدا لـ132 من استعمار استيطاني مارس كل الأساليب الوحشية والجهنمية للبقاء في هذه الأرض الطيبة. إلا أن ثورة نوفمبر المجيدة كانت بداية نهاية هذا المسار، بإجبار أعتى قوة استعمارية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع من كانت تسميهم بالأمس القريب «فلاقة» و»قطاع طرق»... وانتهت تلك المفاوضات بتوقيع وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ووفد الحكومة الفرنسية على اتفاق وقف إطلاق النار في مثل هذا اليوم من سنة 1962 وأطلق على هذا اليوم «عيد النصر»، وهي تسمية مستحقة، بالنظر لما تم افتكاكه في هذه المفاوضات وعلى رأسها الحفاظ على وحدة الأراضي الجزائرية في كنف الحرية والاستقلال.
كل المواجهات المسلحة تنتهي في الغالب إلى مفاوضات يجلس فيها طرفا النزاع إلى الطاولة ويستمد كل منهما قوته من المعطيات الميدانية وهذا عندما يعجز عن ترجيح كفة الحسم العسكري يصبح البديل الأوحد الممكن. والجنرال ديغول أدرك هذه الحقيقة وحاول بكل الوسائل القضاء على الثورة، حتى لا يصل إلى هذه النقطة. فأطلق أكبر العمليات العسكرية الجهنمية الاستعمارية اعتبارا من سنة 1958، ظنّا منه أنه سينجح في القضاء على الثورة، لكن النتيجة كانت عكسية وأدت إلى سقوط الجمهورية الرابعة، عندها فهم أنه لا مناص من الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي تهرّب منها كثيرا، لكنه لم ييأس واعتقد، مرة أخرى، أنه سينجح في إملاء شروطه من خلالها بعدما فشلت مغامراته العسكرية، إلا أن تشبث الوفد الجزائري بمطالبه حتّم على ديغول تقديم التنازلات تلو الأخرى من أجل إنقاذ الجمهورية الخامسة الوليدة، فأولوياته لم تعد الاحتفاظ بالجزائر الفرنسية، لكن همّه الأكبر كان الحفاظ على الجمهورية الفرنسية وإنقاذ بلاده من حرب أهلية وشيكة.
إنه بالفعل عيد نصر يحق لنا أن نحتفل به، لأن الجزائر أصبحت دولة مستقلة وأصبحت الجزائر جزائرية وهذا نصر، ثم استردت قاعدة المرسى الكبير قبل أن تنتهي المهلة المنصوص عليها في اتفاقيات إيفيان.
وهذا نصر، تم تأميم المحروقات والثروات الباطنية. وهذا نصر كذلك، ثم خرجت الجزائر موحّدة دون أن تفرط في أيّ جزء من أراضيها. وهذا نصر آخر أكبر، فلماذا يحاول البعض التشويش على هذه الانتصارات وإحاطتها بالريبة والشك؟!
