لا تخلو الجزائر العميقة من عينات نسوية تنشط في الميدان بعيدا عن الأضواء، وفي شتى القطاعات الحيوية لم تعد حكرا على الرجل بالرغم من تعقدها أحيانا تتطلّب الالتزام الدائم والمتابعة اليومية، وفي مقابل ذلك، فإن عائلتها في انتظارها كل مساء بلهف وشغف بعد يوم كامل من الغياب عنهم.
وثنائية الحضور هذا في مقر العمل والمنزل يعدّ تحديا واقعيا بالنسبة للمرأة العاملة، خاصة تلك التي بصدد تربية صغارها، قبل الالتحاق بعملها تراها حاملة معها ابنها رفقة حقيبته باتجاه الروضة أو المربية بالحي الذي تقطن فيه لتفادي متاعب التنقلات، ناهيك عن أشغال أخرى تزيد في قلقها النفسي، جراء تكفلها بالحاجيات الضرورية للبيت كإعداد الأكل لأفراد العائلة، دون ذكر مسائل أخرى أكثر حدّة.
هذا العالم الخاص بالمرأة هو ضغط متواصل تشعر به بداخلها، غير أن قدرتها على التحمّل فاقت سقفا معينا، ما جعلها تتكيّف مع هذا المسار مع مراعاة آثاره الصحية خاصة، وهذا هو الشغل الشاغل للمرأة في الوقت الراهن، تحاول جاهدة أن تتغلّب على كل الصعاب التي تعترضها في الطريق أو على الأقل التخفيف من وطأتها ولا يتأتى كل هذا إلا بالمساعدة التي تتلقاها من زوجها خاصة الذي هو مدعو أو بالأحرى مطلوب منه أن يكون مساعدا أساسيا لها.
لابد من الإشارة هنا إلى أن هذه الإرادة المتوفرة لدى المرأة وكذلك ما يترتّب من هذا الصمود في وجه التداعيات اليومية لم يمنع من وجود وجوه بارزة في شتى المجالات الحيوية تسيرها بكفاءة مهنية عالية بشهادة كل من يعمل عن قرب من هذه النماذج وتسهر شخصيا على أن يكون أداؤها منظما ومتوازنا قصد الوصول إلى الأهداف المرسومة.
هذه الصورة المقدمة قد نلمسها في ملفنا هذا من خلال مراسلينا في عين المكان الذين يوافوننا ببعض الحالات التي تُظهر مدى التحدي الذي ترفعه المرأة في إدارتها لشؤون عملها أو نشاطها في المجتمع والإضافة التي تقدمها على ضوء مساهمتها القوية في الدورة الاقتصادية، وتوغلها في خبايا وخفايا المجتمع للكشف عن سيرورته، خاصة لدى الناشطات في الجمعيات اللائي يقمن بعمل جبّار، ومشهود بقيم التضامن بين الناس ومساعدتهم على تجاوز المراحل الصعبة، وهناك أخريات يعملن في صمت من أجل ترقية معاني العدالة الاجتماعية أي التكفل بالفئات الهشّة ومنحها ما تحتاج من التغطية والرعاية الصحية، وهذا في حدّه شكل من أشكال إثبات الذات، وكذلك مد يد العون والمساعدة للسلطات العمومية قصد معرفة حقيقة ما يجري في الميدان من خلال حالات تتعلّق بالجانب الإنساني للأشخاص العاجزين والمرضى.
وهذا المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تنشط فيه المرأة الجزائرية حاليا لم يأت من العدم، بل هو نتاج تفكير سديد سعى من أجل إدماج المرأة في مؤسسات الدولة استنادا إلى مرجعية دستورية واضحة في هذا الشأن وثابتة تزداد إثراءً وعناية من قبل الجهات المسؤولة في توسيع دائرة منح المزيد من المناصب للمرأة وإدراجها ضمن هذا المنظور المتطور وإشراكها في صناعة القرار.
ولا تخلو المؤسسات من الحضور النسوي وحتى بالنسبة للمجالس المنتخبة وغيرها من الهياكل الأخرى، وتتغير في كل مرة، باتجاه الأفضل في تولي تسيير الشأن العام وإسناد لهن مناصب في المستوى المطلوب، نظرا لما يتمتعن به من جدية في العمل، وهذا ما نلاحظه اليوم في الحياة المؤسساتية في الجزائر.