عجبا لأناس ماضيهم أسود سمحوا لأنفسهم بالتحدّث دون خجل عن اعترافاتهم المباشرة بتعذيب الجزائريّين بوحشية لا مثيل لها، تصنّف في خانة جرائم الحرب والإبادة تلاحقهم لعنة التّاريخ إلى غاية مثولهم أمام المحكمة للاقتصاص من غطرستهم، كون الشّهود ما زالوا أحياء يرزقون وقفوا بأنفسهم على هستيريا هذا الرّجل ضدّهم، وهو ضابط مجنون في اللّفيف الأجنبي.
إنّنا نعتصر ألما عندما اطلعنا على تصريحات هذا المجرم ونحن في شهر الشّهداء، يبدأ بإحياء ذكرى اغتيال العربي بن مهيدي، لتتوالى فيها قائمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، طيلة ثلاثين يوما، تستحضر فيها قيم التضحية من أجل الوطن.
لا نسكت أبدا على ما أورده لوبان من ادّعاءات باطلة وأقاويل كاذبة لا أساس لها من الصّحة عندما أراد تبرير ما لا يبرّر عندما يتعلق الأمر بتعذيب الجزائريّين بشكل لاإنساني (الكهرباء، الحوض المائي..) ناهيك عن ممارسات أخرى تقشعر لها الأبدان عند ذكرها، وتشمئز لها النّفوس نظرا لبشاعتها.
فهل من أجل “إنقاذ” أرواح المعمّرين الغلاة والمتطرّفين الآخرين، يعذّب الجزائري إلى درجة الموت أو تعرّضه لإصابات مستدامة في جسمه، أو هذيانه أي تأثر عقله بالصّدمات الشّديدة للتيار الكهربائي المشحون بالضّغط العالي، قصد إجباره على الإدلاء بمعلومات. ما هذا المنطق الأناني والضيق. والغريب في آن واحد الذي يحافظ على أبناء جلدته، ويقتل الجزائريين من أجل تحييدهم من أي أذى، ويعني وضع القنابل في الأماكن التي يرتاد عليها الضباط الفرنسيون من حانات وغيرها، ولم يفجّر الفدائيّون الجزائريّون في يوم ما نقاطا للعائلات أو للأطفال كما يدّعي هذا القاتل.
وإن كان لا يهمّنا ما يقوله لوبان، فإنّ خلفيات كلامه يدعونا إلى التأمل فيه من انطلاقه من فكرة أو من الأكذوبة التاريخية والشّعار الوهمي “الجزائر - فرنسية”، معتقدا بأن الجنرالات الذين يسيرون على درب هذه المقولة يحمونه من كل متابعات التي قد تهدّده خاصة تلك الفترة، وهذا ما كان له عندما تفنّن في تعذيب الجزائريّين في أقبية فيلتي “لي روز” و«سوزوني” وفي وسط دويراتهم بالقصبة، حاملا معه عتاده انتقاما من الجزائريّين الأحرار.
ونسي هذه “الجلاّد” المكلّف بالمهام القذرة في الجزائر، بأن هناك ثورة في هذا البلد ضد الاحتلال انطلقت في أول نوفمبر ١٩٥٤،أي بعد سنتين من مجيء هذا المظلي في ١٩٥٦ وعمله إلى غاية ١٩٥٧، واضعا في ذهنه بأن هؤلاء “قطّاع طرق” أو “خارجون عن القانون” أو “متمرّدون عن فرنسا”، وغيرها من الدعاية الفرنسية الهدامة التي قادها الكولون بعساكرهم وصحفهم.
واعتقد لوبان بأنّ ما يقترفه من جرائم حرب قد تطفئ جذوة الثورة، متناسيا بأن هذا الرفض الشعبي الكاسح للاحتلال الفرنسي موجود فقط في العاصمة فقط، حيث ينشط رفقة مجموعة من المظليّين الأجانب..هذا ما جعل “مهمّته” تفشل في الحين وتصطدم برجال أشاوس، رفضوا الانصياع لكل أوامره بالرغم من طبيعتها اللاّإنسانية.
ويشهد عليه اليوم الجزائريّون على أنه يعد واحدا ممّن عذّبهم، وعليه محاكمته على ما ارتكب كما فعلوا هم مع بقايا النازية، وملاحقتهم في كل مكان حتى في أدغال أمريكا اللاتينية، ومنهم من تجاوز ٩٠ سنة أجبروهم على المثول أمام المحاكم جراء ما ارتكبوه من إبادة، هذا خلصت محكمة نورمبرغ فلماذا يحرمون الشّعوب الأخرى من هذا الحق؟