جنوبنا الكبير ليس آبارا للبترول فقط وإنما هو عمق فلاحي إستراتيجي يضمن للجزائر الأمن الغذائي، الذي أضحى اليوم الحلقة المفقودة لدى الشّعوب التي يفضّل البعض التوجه إلى خيارات لا تليق بهذا التحدي المطلوب رفعه آجلا أو عاجلا.
وتدرك الجزائر إدراكا ثابتا بأن مستقبلها يكمن في هذا القطاع، وعلينا نسيان النّفط باستبدال كل تلك الأنماط الذّهنية التي مازلنا نتصرّف بها، كل شواردنا متوجّهة للأسف إلى حركية سعر تلك المادة (بالزيادة والنقصان)، وكلّما - للأسف - ارتفع إلى ٦٠ دولارا فما فوق يصبح الخبر الذي يتداول على لسان كل من يفهم في السياسة والاقتصاد، حديثهم اليومي لا يخرج عن هذا النّطاق في النّقاشات والجلسات اليومية.
ومثل هذه الذّهنيات الإتّكالية شغلها الشّاغل هو كيفية ضمان سيولة الأموال من مداخيل البترول فقط، ولا يهمّها التفكير في موارد أخرى كالفلاحة مثلا، نحن هنا لا ندّعي بأنّ هذا القطاع قادر على تغطية مخلّفات التّنمية الشّاملة أبدا، كل ما في الأمر أنّه أحد الخيارات القادرة أن تكون البديل ليس بالمفهوم الجذري، وإنما المرافقة قصد على الأقل توقيف الاستيراد في هذا المجال.
لذلك، فإنّ السّلطات العمومية ماضية في هذا الأمر اقتناعا منها بذلك، خاصة ما حقّقته من مؤشّرات جديرة بأن تكون محل اهتمام في شعب قويّة كالحليب والبطاطا، وبدرجة أقل الحبوب، اللّحوم، الخضر وغيرها، يصنف هذا التحوّل المدروس في خانة المعالم البارزة التي توجد لدى الجهات المسؤولة عند إعداد السّياسات العمومية.
ولا نقيس أبدا التوجه الفلاحي المختار بالتّكاليف أو ببعد المسافة، هذا التّفكير قد يثبط العزائم وإنما المنطق يبقي على استراتيجية واسعة النّطاق قائمة على ما يعرف بالمرحلية.
كما أنّه علينا أن لا نسقط في الدّائرة الضيّقة من الحسابات التي لا تخدم ما يعتزم القيام به مستقبلا، خاصة ما تعلّق بالآثار المالية المترتّبة عن ذلك لأنّ الإستثمار حتى وإن كان مستندا إلى مرجعية دراسة الجدوى، فإنّه لا يخلو من المخاطرة، لكن الاقتناع بأن المردود المرتبط بالوقت قد يؤتي ثماره.
هكذا كانت البداية، في الوادي، بسكرة، أدرار، ورقلة، عيّنات لعمل ناجح في المنتوج الفلاحي الذي يضرب به المثل، كما كان الأمر في الشّمال، متيجة وغيرها وعلينا مواصلة هذه الوتيرة لتكون نماذج لباقي الولايات الأخرى، وكل تلك المناطق في الجنوب التي كانت مرتبطة بالبترول أصبحت فلاحية بامتياز، نزع عنها هذا الشّعار الزّائل مقابل ما بذلته من جهد لإيجاد البديل المبحوث عنه منذ زمن بعيد.