كلمة العدد

عام مقاومة الصدمة

سعيد بن عياد
23 ديسمبر 2017

يجتاز الاقتصاد الوطني عام 2017 المتسم بصعوبات مالية واستثمارية بحصيلة يمكن اعتبارها مقبولة على صعيد الأداء بالنظر للتداعيات السلبية للصدمة المالية الخارجية، حيث لم يسجل إقفال لمؤسسات أو تسريح لعمال، مما يؤكد وجود مؤشرات يمكن البناء عليها لتجاوز مرحلة الأزمة إلى النمو. ساعدت الإجراءات التي اتخذت في إطار تجسيد خيار ترشيد النفقات وتقليص الاستيراد الزائد عن اللزوم وبالموازاة تلك التي ترافق المؤسسة الإنتاجية في التقليل من حدة الصدمة، فيما وفّر احتياطي الصرف بالعملة الصعبة المتراكم طيلة عشريات سابقة القدرة لمواجهة سنوات عجاف ومن ثمة تأمين ديناميكية عجلة التنمية.
لقد صمدت دواليب المنظومة الاقتصادية لإفرازات الأزمة المالية العالمية في 2008 قبل أن تتسرب إليها، منذ منتصف 2014 ، بفعل انهيار أسعار المحروقات، واستمرت في الصمود إلى غاية هذه السنة التي شهدت مع ذلك تحسنا في مؤشرات بعض القطاعات، مثل الطاقة، بعد انتعاش أسعار النفط والفلاحة إلى جانب عدد من الفروع الصناعية على غرار صناعة الاسمنت التي بلغت مشاريعها في هذه السنة الأهداف المسطرة بتأمين الطلب الداخلي المرتفع والتصدير إلى الخارج.
 كان للتدابير التي سطرتها الدولة، سواء ضمن قانون المالية والقرارات ذات الصلة ،مثل الحد من الاستيراد واستبدال نظام الرخص بوضع قائمة مواد ممنوعة إلى جانب تشجيع الإنتاج الجزائري المحلي وتوسيع نطاق المقاولاتية وترسيخ عقلنة استعمال الموارد، أثرها على التوازنات الكلية التي تعززت بخيار اعتماد الإصدار النقدي وفقا لورقة طريق دقيقة ومحكمة لا مجال فيها للارتجال أو المغامرة قصد تغطية عجز الميزانية الذي يقدر بحوالي 10 ملايير دولار وتأمين السيولة المحلية للاستثمارات الإنتاجية.
ماعدا، كما تضمنته تقارير الخبراء، ارتفاع نسبي للتضخم بمعدل 5.5 بالمائة (توقع انخفاضه إلى 4 بالمائة في 2019 و3.5 بالمائة في 2020) وكذا البطالة التي بلغت 11.4 بالمائة مقابل 11.2 بالمائة في 2016 وفقا لتقرير منظمة الأمم المتحدة، لم تشهد هذه السنة الاقتصادية كوابيس اجتماعية، وهذا أيضا بفضل وسادة الاحتياطي من العملة الصعبة الذي يواصل تحمل الصدمة منذ بدايتها الأولى قبل ثلاث سنوات، ليبلغ حاليا 98 مليار دولار، مما ساعد على تخطي بعض التوترات في السوق المحلية مثل حالات للندرة والتلاعب بالأسعار وفوضى التوزيع رغم الوفرة، كما هو بالنسبة مثلا للخضر والفواكه.
 لعل من أبرز ما حمله هذا العام من جانب آخر غير مادي، تشكل إجماع في أوساط الشركاء تجسد، أمس فقط، بتوقيعهم على ميثاق الشراكة الاستثمارية بين القطاع العام ونظيره الخاص الوطني من اجل أن تتموقع المؤسسة الجزائرية جيّدا في المشهد الاقتصادي وتكون بذلك الجسر المتين للعبور إلى النمو الذي تتوفر عناصره الأساسية من مخطط استثماري جذاب وسوق تنافسية وموارد بشرية ومادية يمكنها أن تصنع الفارق وتحقق الربح في معركة الأسواق التي تشهد تنافسا في كل الاتجاهات محليا واقليميا وقد مهدت الدولة أسباب الولوج لبعضها مثل إفريقيا التي لعبت فيها الدبلوماسية الاقتصادية دورا لا يستهان به.
تعتبر هذه الأخيرة محليا وإقليميا وعالميا الميدان الحقيقي لكي تبرز المؤسسات الجزائرية بكافة أطيافها جدارة كل هذا الدعم الذي توليه لها الدولة من اجل أن تساهم في تنمية إيرادات الميزانية العامة وحماية الأمن المالي للمجموعة الوطنية عن طريق الرفع من قدرات التصدير وإعادة ملاءمة مناهج العمل وأساليب إدارة الاقتصاد باعتماد الليونة والنّجاعة، خاصة بعد التأكيد، وبشكل نهائي، الإلغاء من قاموس مراقبة الاقتصاد تجريم أفعال التسيير لتوسيع مساحة المبادرة الإنتاجية التي يلازمها الحرص على أموال ومقدرات المجموعة الوطنية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024