كم كانت صادمة تلك المعلومة التي قدمها وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني لدى نزوله ضيفا على منتدى جريدة “الشعب” بمناسبة الذكرى 63 لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، عندما قال إن دائرته الوزارية أحصت 1449 مركز للتعذيب من مخلفات الحقبة الاستعمارية وهو الخبر الذي قطع الشك باليقين في أن التعذيب لم يكن مجرد ممارسة معزولة ولا فردية ولكن سياسة ممنهجة بمباركة ورعاية الدولة الاستعمارية الفرنسية، فهذا العدد الهائل من المراكز التي كانت تمارس فيها أقصى درجات الترهيب والتعذيب التي لا تليق حتى بالحيوانات بينما كانت تمارس في حق الأطفال والنساء والشيوخ من طرف الحكومات المتعاقبة للجمهوريتين الفرنسيتين الرابعة والخامسة اللتين واصلتا الأساليب الجهنمية التي بدأت بمجرد احتلال الجزائر سنة 1830.
لو قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا تلك المراكز 1449 على التراب الجزائري وفق التوزيع الإداري الحالي أي 1541 بلدية، ستكون النتيجة أن الاستعمار الفرنسي كان لديه عدد مراكز التعذيب بعدد بلديات الجزائر المستقلة تقريبا وهذا وحده يسقط زيف وبطلان الرواية الاستعمارية التي كانت تقول إن التعذيب كان مستعملا في إطار ضيّق ومحدود ومن طرف أفراد وليس سياسة دولة، بينما يثبت هذا الرقم المخيف أنه لم يكن الشاذ ولكنه القاعدة وهذا يكشف الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي الذي عجزت كل مساحيق التجميل المستعملة في تغطية بشاعته وتبييض ماضيه ليس لدى الجزائريين فقط ولكن حتى لدى الرأي العام الفرنسي المحرج من تلك الممارسات المقيتة التي مازالت تجلب له العار والخيبة ومازالت بقعة سوداء تشوب الشعار الثلاثي للثورة الفرنسية (حرية، مساواة، أخوة) بينما لم نجد لتلك الشعارات الطنّانة أثرا خلال الحقبة الاستعمار بل على العكس فقد تم تجريد الجزائريين من حريتهم عفوا وهل تليق الحرية بشعب اخترع له قانون خاص أطلق عليه “قانون الأهالي”، هذه هي الحضارة التي جاء بها الاستعمار ؟ ! حضارة أسقطت المساواة من قاموس تلك الثورة الفرنسية ليتأكد أنها تصبح مجرد شعار أجوف عندما يتعلق الأمر بالجزائريين الذين كان تصنيفهم أقل من مرتبة الحيوانات والبهائم في هذا القانون العار على جبين الإنسانية كلها.