يشكّل عيد النصر الموافق لـ 19 مارس من كل سنة المحطة الفاصلة في معركة التحرير الوطنية ضد الوجود الاستدماري الذي استنزف الأرض والإنسان وخلّف، قبل أن يطرد مدحورا، دمارا ماديا تصدى له الإنسان الجزائري بشجاعة امتلكها من أبطال جيش وجبهة التحرير التي قادت ملحمة ثورة أول نوفمبر. وخارج النقاش التاريخي حول المناسبة فإن ذلك التاريخ الذي كلل مسارا تفاوضيا استثنائيا يرمز لمبادئ وقيم وتطلعات الشعب الجزائري الحريص على وحدته وتماسكه واستقلاله بالمعنى الشامل، بما في ذلك القرار الاقتصادي الذي يقف اليوم أمام امتحان هو تحد مصيري لا يقل خطورة عن تحديات مرت بها البلاد وخرجت منها دوما منتصرة. إن مناسبة مثل 19 مارس جديرة بأن تمجّد وتشكل حديث المجتمع ليس بالانزلاق إلى نقاشات جانبية تنجر عنها تداعيات سلبية، إنما باستذكار البطولات والمآثر الفريدة لأولئك الرجال والنساء من جيل نوفمبر الذين أبلوا البلاء الحسن في تجسيد الروح الوطنية وأنجزوا المهمة التاريخية بأقصى ما يملكون من إرادة بكل التزام وإخلاص وتفان. مثل تلك القيم ما ينبغي أن ينقل للأجيال للتزود بالإرادة وتعميق الثقة في النفس بحيث لا يمكن لأزمة مهما كانت أن تنال من الأجيال المتعاقبة خاصة الشباب الجزائري الذي يواجه اليوم موجة من التشكيك والإحباط تقودها أوساط قديمة جديدة لا تترك فرصة، إلا وروجت لادعاءات وأكاذيب لمحاولة النيل من صورة وسمعة أبطال الجزائر الذين وقفوا الند للند في المواجهة العسكرية والتفاوضية. لقد كانوا على درجة من الإخلاص في خوض مفاوضات وقف إطلاق النار وإعلان الاستفتاء من أجل الاستقلال فلم ينل منهم طول الجولات وثقل الطرف الآخر للإدارة الاستعمارية الفرنسية بكل ما مارسه من جبروت ممزوج بدموية وعنصرية مقيتة مرتكزا على قوته العسكرية المدعومة بالحلف الأطلسي. وأسقطوا مؤامرات خبيثة على غرار محاولة ضرب الوحدة الوطنية بعزل الصحراء التي شكلت نقطة جوهرية في مسار المفاوضات دون التنازل عنها قيد أنملة. ومثل هذه المواقف التي يجب أن تبرز في مثل هذا اليوم وعلى الدوام ليتحصّن الشباب بتلك العزيمة والإصرار ملتفا حول مكاسب السيادة الوطنية ومفتخرا بأمجاد أسلافه فلا يمكن أن ينساق بأي شكل من الأشكال وراء مغالطات أو مخططات تنطلق من عوامل ظرفية لتقود إلى نتائج تخدم الجهات المتربصة بالجزائر وتتحين الفرصة لضرب مكاسب شعبها المتماسك والمدرك للرهانات والتحديات بحيث لا يقبل إطلاقا بأن يضع استقلاله في الميزان أو ينجر إلى متاهات مهما كانت عناوينها براقة. ولا ينبغي أن تحجب بعض النقائص والاختلالات الطبيعية في مسيرة بلد حديث الاستقلال ولشعبه طموح لا يحد، ما تحقق منذ استرجاع السيادة الوطنية على كافة مستويات التنمية الشاملة، بل يجب العودة إلى منظومة القيم النوفمبرية من بذل للجهود المخلصة وتفان في العطاء للوطن وإيثار عن النفس لفائدة البلاد والأجيال على اعتبار أن الكرامة والعزة هي صلب رأسمال الاستقلال في ظل الوحدة الوطنية التي تعتبر عنوانه البارز، فليكن 19 مارس موعدا للدروس والعبر.