لا يوجد أمل على المديين القريب والمتوسط أن ينتهي هوس الشباب الجزائري بصفة عامة والشابات بصفة خاصة بالمسلسلات الأجنبية المدبلجة، في ظل غياب إنتاج تلفزيوني وطني نوعي وفراغ اجتماعي، فني وتربوي رهيب. فهذا “الغزو الثقافي” الذي كان فضولا قبل عقدين كاملين، ثم أصبح موضة، هاهو يتحول اليوم إلى أسلوب ونمط حياة.
فما كان بالأمس محاولة للاكتشاف لدى المشاهد الجزائري، عندما انتشرت في نهاية التسعينيات مسلسلات مدبلجة مكسيكية وبرازيلية وفنزويلية، أضحى اليوم هوسا بأعمال هندية، يابانية، كورية وبالأخص التركية، التي تصوّر نمطا معيشيا غريبا، سيطرت على عقول الشباب والشابات، تغريهم بلقطات وحلقات تطول شهور وسنوات، تقدم نموذجا بديلا وتلعب على أوتار كل ما هو مهمل وممنوع ومحرم في مجتمعنا، بمشاهد لبيوت مثل الفردوس، تحيط بها حدائق يطيب فيها الجلوس، وعلاقات لا تحكمها أسقف، بأزياء لا نراها في مدننا، وموائد ممتدة وممتلئة، ووجوه جميلة بلا أرق وهَم، تنسي المتفرج بؤسه وآلامه، يغيب عنه الوعي بواقعه وحاضره، تنقله إلى سماء أخرى يحلق فيها هائما ومخدرا، إلى أن يوقظه الواقع مع نهاية كل حلقة.
هي صورة معدّة للتصدير وليست للاستهلاك المحلي بتركيا، تقدم قيم الحرية المعاصرة بما يفوق حتى ما هو موجود في الحياة الغربية والأوروبية، لتتحول إلى أسلوب حياة عند المشاهد الجزائري، فتشتري الفتاة خاتم أو قلادة ترتديها بطلات المسلسلات، وتشتري أخرى أزياء مماثلة ظهرت بها الممثلات، ويقتني الشاب نظارات تحمل العلامة التجارية نفسها التي ظهر بها الممثلون، ويبدأ الجميع التخطيط لقضاء عطلهم السنوية في المنتجات التركية، ويتم إطلاق على المواليد الجدد أسماء لبطلات وأبطال تلك الأعمال، لتتحول هذه المسلسلات إلى قوة وآلة ترويجية يفوق حجمها الاقتصادي ما ينفق عليها.
ما كان هذا ليحدث لو لم “تتصارع” قنواتنا على بث هذه المسلسلات كل يوم، بحثا عن أرباح إشهارية خيالية، غير مبالين بتأثيراتها السلبية، وهاهي اليوم تدبلجها إلى اللهجة الجزائرية، وتخصص لها حملات إعلانية يومية، كأنها أعمال محلية، يرى فيها مسؤولوها خدمة للعامية الوطنية، وتعريفا بها لأشقائنا في الدول العربية، وكان حري بهؤلاء المنتجين والمشرفين على هذه القنوات الفتية، أن ينجزوا لهذا الجمهور أعمالا جزائرية ذات قيمة فنية، تصوّر الشخصية الوطنية، بشكل جميل ومؤثر وشيق، تخلصنا من هذه الإنتاجات التجارية الأجنبية.