وأنت تتحدث إلى الأكاديمي الدكتور أمين الزاوي، فإنك تتحدث إلى موسوعة كبيرة من التراث القديم. وإذا حاولت التحدث عن المتن الروائي فإنك تكتشف للوهلة الأولى أن الشخص الذي أمامك قضى أكثر من ربع قرن في معانقة السرد كمرافقة العاشق للمحبوب، ومرابطة الفارس لجواده. أما إذا حاولت السباحة في ناصية اللغة، فإنك تجد قاموسا غير متناهي من المعاني يخيل إليك أنها تنزل الآن من قواميسها الباهتة لا مقبلة ولا هي مدبرة.
قلم روائي بامتياز، له حضوره الدائم والمميز في المشهد الثقافي العربي والعالمي، طيلة خمس وعشرين سنة من الإبداع والكتابة الروائية، استطاع أن يؤسس لنفسه عالما روائيا يحمل بصمته، عالم يؤثث جداول الرواية من نبعها إلى مطلعها، ولن تتمالك نفسك إلا عند قراءة تفاصيلها الغارقة في التراث والتأريخ للماضي القريب، متفتحة على أفاق مفعمة بالشوق والفرح والحزن الذي ما إن تلامس سوداويته يمنحك رغبة مطلقة للغوص في النص دون الحاجة إلى منديل تجفف به دموع الفقد، فبين الأسطر التي تقرأها قد تنسيك ألامك المتعبة.
يعترف أنه كاتب المرأة بامتياز ويملك جرأة قلما تصادفك في الفضاء الأدبي، للحديث عن أمهات المواضيع الأكثر إثارة في مجتمعاتنا العربية، لكنها تبقى حبيسة المخيلة والاعتراف، الزاوي يدغدغ الإنسانية عبر مشروعه الروائي الذي لايزال يجهل تصاميمه، ماعدا تلك الركائز الثلاث التي اعتمدها في بناء ذاته المبدعة وهي المرأة والدين والعدالة الاجتماعية.
قراءة التراث عند الزاوي هو استنطاق المكبوت وتفتيت الأشياء الكامنة خلف الظواهر، وإعادة قراءة التاريخ من زاوية أكثر تفاعلا بين الأنا الكاتبة والأنا الحالمة بنص يطرح خلفه دهشة الأسئلة... هي التفاعلية التي نلمسها في غالب إصداراته الروائية دون عقدة، إذ يعتبرها شذرات سيرته الذاتية وإن كانت آخر رواية له «الساق فوق الساق»، الأقرب إلى قلبه من ما صدر من قبل.
الزاوي وأنت تستمع إليه بتمعن تشدك نحوه مخرجات الكلمات، فتأسرك تارة وتدفعك أخرى للغوص في تقاسيم هذا القادم من شموخ الزيانيين، الحامل لواء أعلامها وكتابها أمثال أبي حجلة، ابن الخميس، الشيخ السنوسي وسيدي بومدين، يحي ابن خلدون وابن يخلف المصمودي.
