من بين الأزمات التي فجّرها «الربيع الدموي» ولازال بالإمكان حلحلتها ومنع تحوّلها إلى حرب مدّمرة كالتي تحرق سوريا واليمن، الأزمة اللّيبية، فهذه الأخيرة وإن تشابكت خيوطها وتعقّدت بفعل صراع الأفراد والمناطق على السلطة والنفط، فإن تسويتها أمر ممكن اليوم بجلوس كل الفرقاء إلى طاولة حوار جاد محوره الوحيد هو صيانة ليبيا بأمنها ووحدتها وثرواتها.
الحل ممكن في ليبيا اليوم وطريقه ليست وعرة كما يروّجه البعض، لكن الأكيد أن سياسة الهروب إلى الأمام، وتعنّت هذا الطرف وذاك وإصراره على الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخر، سيعقّد الوضع أكثر ويعفّنه، ما يجعل التنظيمات الإرهابية الطفيلية تستغل الوضع لتجعل من أرض شيخ الشهداء عمر المختار مستقرا لها بعد دحرها من العراق وسوريا، لتزرع الموت والدّمار ليس فقط بليبيا بل بالجوار والإقليم.
الأزمة الليبية وبالرغم من كل المخاوف التي ترافقها فهي لازالت صغيرة وبالإمكان جدا تفكيك خيوطها ونزع فتيلها لتفادي الانفجار الأكبر الذي يخطّط له البعض للزجّ بالشعب الليبي الواحد في متاهة الاحتراب الداخلي الذي يكون فيه المنتصر منهزما لا محالة، فدائما في الحروب الأهلية الكل خاسر.
طريق الخلاص واضحة ومعالمها بارزة للجميع وعلى الأشقاء في ليبيا أن يتّعظوا مما يحصل للسوريين ويوقّفوا سياسة جلد الذات التي تدمي الأوطان.
على فرقاء ليبيا أن يتفقوا أولا على مبدأ التسوية السياسية بعيدا عن استعراضات القوة والمليشيات ولغة السلاح، ثم يلتزم كلّ طرف بتقديم التنازلات الواجب عليه تقديمها، ويدفع نحو تجسيد خارطة طريق يكون لكل واحد مكان فيها، إذ ليس من المعقول أن تكون في ليبيا اليوم ثلاث حكومات تتنازع السلطة، وليس طبيعيا أيضا أن لا تتوحّد القوات تحث راية جيش موحّد يسخّر طاقاته وإمكانياته للدفاع عن البلاد من الإرهاب..
لابد لهذا الوضع أن ينتهي، ولابدّ لليبيين أن يدركوا بأن أمن الجوار والإقليم من أمنهم، فالجمرة التي تنفخها خلافاتهم وصراعهم المحموم على السلطة ستتحول إلى لهب يمتد إلى خارج الحدود وهذا ما لا يقبله أحد، لهذا من الضروري على المتنازعين على السلطة هناك أن يكفوّا عن سياسة العبث بأمن ليبيا والمنطقة، وأن يلتفّوا حول حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بالإجماع الدولي للعمل سوية من أجل مواجهة التحديات الصعبة التي خلفتها ستة أعوام من فراغ السلطة، وإعادة بناء الدولة الذي لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بسواعد كل الليبيين.