عاد السفير لؤي عيسى إلى المحطة الحاسمة في مسار النضال الفلسطيني، مذكرا بالقرار التاريخي الذي اتخذ من الجزائر بإعلان قيام دولة فلسطين 28 سنة مضت. هو قرار كشف عن الدور الريادي لبلادنا التي كانت دوما إلى جانب فلسطين ظالمة أو مظلومة، مجندة الوسائل والآليات الدبلوماسية في إعلاء صوت الحق والاعتراف بعدالة قضية العرب والمسلمين الأولى في كل الظروف.
وقال السفير من “منتدى الشعب”، إن هذا الموقف الذي اتخذته الجزائر وفرضت على العواصم العربية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة وحيدة للشعب الفلسطيني وكسر تبعيتها للمركزية العربية، وانتزاع اللاءات العربية المعروفة من قمة الخرطوم التاريخية لمحو أثار هزيمة حرب حزيران 67 ممثلة في: لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل. وهي لاءات سارت على دربها الجزائر وظلت وفيّة لها، عكس عواصم عربية أدارت ظهرها لها وهرولت نحو التطبيع مع العدو في السر والعلانية.
الأكثر من ذلك، زجّت الجزائر بالدول العربية وحشدت التأييد الدولي لمناصرة القضية الفلسطينية غير معترفة بالهزيمة التي وصفها الرئيس الراحل هواري بومدين بخسارة معركة عابرة وليس الحرب، لأن الأمة العربية لم توظف كل طاقاتها وتستعمل كافة الأوراق الرابحة منها الورقة النفطية التي كانت سلاحا حادا أدرك بعده الغرب حقيقة الصراع، وتبين له أن الفلسطينيين أصحاب حق مشروع.
استعملت الجزائر كل أوراقها وخاضت معارك دبلوماسية عبر مختلف الدوائر، منتزعة اعتراف غالبية الدول بالقضية الفلسطينية.
نتذكر كيف تمكن أبو عمار من دخول الأمم المتحدة وإلقاء كلمة لازالت تدوي في الأذهان. ولازالت عبارته تردد على لسان كل ثائر فلسطيني في الوطن الجريح المحتل والشتات: “جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
نتذكر ذلك الخطاب الذي سمحت به الجزائر، التي كان وزيرها للشؤون الخارجية الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة يترأس دورة الجمعية العامة الأممية آنذاك عام 1974.
من صدف الأشياء أن هذا الحدث وقع أيام نوفمبر التي كانت حبلى بقضايا عدة ذات الشأن الفلسطيني، ذكّر بها السفير عيسى لؤي.
فقد وقع في هذا الشهر قرار وعد بلفور المشئوم 1917، وتمت خلاله، ومن الجزائر، إعلان قيام دولة فلسطين يوم 15 نوفمبر 1988، وتقرر في 29 منه إعلان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني من قبل الأمم المتحدة.
لازالت الجزائر الحضن الدافئ للفلسطينيين، يلجأون إليها كلما حدث طارئ ولتسوية الخلافات، معتبرينها بوصلة نضالهم الدائمة في محيط جيو استراتيجي مضطرب، متخذين من ثورة نوفمبر مرجعية في رصّ الصف وتحديد أدوات النضال الثابتة والمتغيرة حسب الظرف والمستجدات حاملين رؤية استشرافية تؤكد حقيقة المعركة الثابتة غير القابلة للمساومة والتنازل: السعي لتحقيق السلام دون التنازل عن فلسطين القضية والوطن مهما كانت التحديات، مقتنعين إلى حد الثمالة بأن لاءات الأمس هي عنوان الوجود في معركة مصيرية مفتوحة لا تتوقف إلا عند استعادة الحق المشروع.