سارعت الأوساط الصهيونية إلى مطالبة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل ابيب إلى القدس، معتقدة بأن مثل هذا القرار سهل المنال بعد أن تعطّل لسنوات طويلة، بسبب المواقف الصارمة للمجموعة الدولية المؤمنة إيمانا قاطعا بأن الاحتلال الإسرائيلي ما زال جاثما على أرض فلسطين الطاهرة ولا يمكن بأي حال من الأحوال المساس بالمقدسات.
هذا الإلحاح الإسرائيلي ليس وليد اليوم بل يعود إلى العقود الماضية، خاصة خلال مرحلة التسعينات كمحاولة لإضفاء طابع الاحتلال على القدس وإدراجها ضمن المواقع الخاضعة للحكم الإداري الإسرائيلي في أبعاده السياسة التي تبحث عنه الصهاينة في كل مرّة تتاح لهم مثل هذه الفرصة.
وفي حالة أي خطأ يرتكبه ترامب، فإن ذلك سيكلّفه ثمنا باهضا، من باب تأليب الرأي العام العالمي عليه، لأن المسألة ليست بسيطة كما يتصورها البعض وتحت الضغط السياسي والتوجه إلى الكثير من الأطراف عن طريق التحسيس والشرح.. تراعت العديد من البلدان عن إقامة سفاراتها بالقدس المحتلة وبهذا تكون قد أسقطت أطروحة قادة الكيان الصهيوني في اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، كما أعلنه “الكنيست” في أواخر الستينات.
ومنذ ذلك التاريخ، وإسرائيل مصابة بالهذيان والهيستيريا، من أجل أن تجعل القدس تحت سيطرتها وهذا بمفهوم الاحتلال لأن تسيير هذا الموقع يعود في الوقت الراهن إلى الأردن عن طريق مؤسسة خاصة تهتم بشؤون القدس، وهذا ما لا تحتمله إسرائيل أبدا.
أصوات الغلاة الصهاينة المرتفعة اليوم وفي ظرف كهذا تدرك إدراكا قويا بأن ملف القدس ما زال العنصر الحيوي في المفاوضات الفلسطينية الاسرائلية وإلى يومنا هذا لم تحسم في هذه القضية المصيرية، ففي كل مرة يثيرها المفاوض الفلسطيني على خلفية عدم التنازل عنها مهما كان الأمر والتضحيات حتى لا تقع تحت طائلة أو القبضة الإسرائيلية التي ما تزال تحلم بذلك بدليل أنه في كل مرة يحاول المستوطنون إقتحام المكان بتغطية أمنية مفضوحة لاستباحة هذا الفضاء الديني الحضاري، العمراني والتاريخي الحامل لدلالات الانتماء الأزلي للفلسطيني بأرضه خلافا للدعاية الاسرائيلية التي تعمل على إيهام الناس بواسطة وثائق مزورة على أن وجودهم كان منذ زمن بعيد في فلسطين. وهذا تغليط وكذب.
وعليه، فإن على الإدارة الأمريكية الجديدة الوافدة على البيت الأبيض بدءا من تاريخ ٢٠ جانفي ٢٠١٧، مطالبة أن لا تستعجل الأمر، وتختار مسارا منحرفا بخدمة هذا الكيان المتغطرس وقادته المتعجرفين، لأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية فيما حدث للفلسطينيين لم يجرء أحد من الرؤساء على إبداء نوايا حسنة في تسوية النزاع ما عدا في عهد كلينتون الذي سعى من أجل الوصول إلى حل. أما الباقي فقد أبدوا إنحيازا كاملا إلى جانب الصهاينة منذ غولدا مائير إلى نتنياهو والقضية الآن متوقفة إلى إشعار آخر، كان آخرها ما أبداه هؤلاء من رفضهم المطلق للمؤتمر الدولي للسلام الذي اقترحته فرنسا، ويراهنون اليوم على ترامب في منحهم الدعم السياسي الذي يبحثون عنه أم العسكري فهو مضمون.