شكل الفاتح من نوفمبر تاريخا مفصليا وضع فيه حد للطغيان والجبروت، وطوى صفحة طويلة من الإذلال والاستدمار والاحتلال، مارستها فرنسا الاستعمارية طول قرن ونصف من الزمن.
الموعد لم يكن فجائيا ولا اعتباطيا، إنما في إطار صيرورة تاريخية لوضعية اجتماعية راهن على خلعها والانسلاخ منها بالقوة بواسل من أبناء الحركة الوطنية وجيل نوفمبر الخالد. لم يكن الانتظار والتريث حليف هذا الجيل، إنما كان موعد الحسم قاب قوسين أو أدنى، فحمل هذا الجيل النوفمبري ثقل الأمانة ورسالة الوطن، لينخرطوا جميعا في ركب سار جمعه دون انتظار البقية، لأن الخيار كان ضروريا واستراتيجيا وما أخذ بالقوة لابد أن يسترجع بالقوة، فكان محمل الجد وانطلقت شرارة لغة أخرى لم تكن موجودة في قواميس الإدارة الاستعمارية، وهي التي أبادت شعبا أعزلَ على مدار عقود من الزمن.
نوفمبر حمل رسالة وطن رفض الخنوع والركوع، وطن انبلج من ليل استعماري بغيض، ليرسم ملامح شعاعه من جديد ينعم بالحرية والاستقلال، رغم كل المؤامرات ووسائل الدعاية المغرضة تارة والمغرية تارة أخرى، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل وكان مصيرها التنكر والرفض من أبناء الشعب الجزائري.
المؤامرات برغم مسارها الجهنمي الحافل بجرائم الإبادة والقتل والتشريد والإقصاء والنفي والترغيب والتشكيك في هوية هذه الأمة القادمة من رحم الأوجاع، إلا أنها لم تثن هؤلاء عن صنع نصرهم والظهور بوجه المتحرر من قيد جائر ظالم.
نوفمبر الأمس واليوم... لغة أخرى من التواصل وعقيدة ترسخت ملامحها العقلية والنقلية في أذهان جيل لم يعش تلك الأجواء، بل رافقها من خلال الحكايات وشهادات الأحياء من المجاهدين وقرأها على صفحات سيرة الشهداء وبطولاتهم، ومازال ينعم باستحضار تلك الملاحم والبطولات وجعلها أمامه الصورة المثلى والقدوة التي لا يمسسها شك ولا تحجبها المؤامرات والمغالطات.
جيل نوفمبر الخالد صنع ثورة من رحم التاريخ، وجيل المصالحة الوطنية حري به التحلي بالروح الوطنية وحمل لواء تلك العظمة والقداسة، لأنه عاش مؤامرة أخرى حاولت الأيادي الخفية زرعها بين أبناء الشعب، فباءت سيناريوهاتهم بالفشل، وكانت تضحيات أبناء الوطن المفدى أكبر درس وأقوى حكمة لمرتزقة الأمس وخونة التاريخ.