ونحن نصنع عرسنا الثقافي في الجزائر، من خلال الصالون الدولي للكتاب، الموعد الذي تجتمع فيه أمهات الكتب بتنوعاتها ومضامينها وتلتقي فيه المشارب، موعد يتجدّد مع القراءة والجديد من الإصدارات المختلفة، والتقاء الكتاب والأدباء والمؤرخين والمترجمين والفقهاء وعلماء الاجتماع وغيرهم من الشخصيات التي تعتني بعالم النشر والإصدار في الجزائر.
في كل مرة نؤسس للفعل الثقافي بكل مميزاته وفعالياته، نرسم من خلاله حقيقة مشهد بقيمة إضافية جديدة، لكننا سرعان ما نصطدم بثقافة الجحود والنكران للكتاب بمختلف توجهاتهم، هذا النكران في الحقيقة ربما ناتج لفواعل ومتغيرات خارجية منها طغيان الكتاب الالكتروني والإعلام الرقمي، وتوجهات المجتمع نحو الإثارة والتدين وهنا افتح قوسا حتى لا يفهم من وراء القصد الدين ولكنها تلك الفلسفات الخطيرة والبعيدة عن قيم ديننا وسيرة التابعين التي أدخلت الأمة والأوطان في صراعات دموية لا قبل للأمة بها.
أو ربما يعود أيضا إلى اضمحلال القراءة لدى الأوساط الصغرى وابتعاد مناهجها التربوية عن التحفيز والمطالعة في أولى المراحل التعليمية وهو شأن يقصم ظهر الأمة.
في السياق ذاته، يمكن القول بأن الكتاب الورقي يعيش غربته بين قراءه ومحبيه، وما هذا الابتعاد إلا تحصيل لرزنامة برامج غيبته عن قصد أو عن غير قصد، فإن مسؤولية الأسرة لها نصيبها من هذا العزوف أيضا، لذلك دور الآباء مهم جدا في الحثّ على القراءة والمطالعة، وتثمين الخطوات التي يتبعها الطفل في بداية عهده مع القراءة.
هناك من يعتبر المقروئية بدأت تفقد بريقها في المجتمع ربما لرأيه أسباب، ومن يقول عكس ذلك فله أيضا علله ومبرراته، لكن في الأخير تبقى القراءة من أكبر العوامل التي تبنى عليها المجتمعات وتنفذ بها إلى برّ الأمان، فالبر غم من دور النشر التي لا تعد ولا تحصى والأعداد المقنطرة من الكتب المطبوعة، بكل اللغات وفي كل المجالات فإن جلّ هذه الإصدارات تبقى محط أنظار الجميع دون تحريك ساكن، وهناك من يزين بها رفوف المكتبات.
الكثير من المغالطات جاءت بها هذه الكتب، وحملها البعض موضع الجد، وآمن بها البعض الآخر، فكانت وبالا عليهم، وشرّ بلية على أفكارهم، فانساقوا بسببها عن جادة الصواب والعقل، وفتحوا ثغور جهل ما طاقوا عنها سدا.