تبقى الصناعة بقوة قدرتها على خلق الثروة وامتصاص البطالة، وحركية آلتها الإنتاجية التي تمول السوق بالسلع، مفتاحا حقيقيا للنمو، بل وتمثل في الجوهر قاطرة تجذب معظم القطاعات الحيوية من فلاحة وسياحة وكذا خدمات وكذا التكنولوجيا على الصعيد التقني، إلى جانب التسيير والتسويق. لذا ليس هناك من خيار للسير بوتيرة سريعة وجدية نحو اقتصاد المعرفة، الأمر الذي ينتظر منه الكثير خاصة ما تعلق بمجال تكثيف النسيج الصناعي الضامن لمنح الفرصة لبروز مؤسسات صغيرة ومتوسطة منتجة للثروة. غير أن القاعدة الصناعية الواعدة التي يتطلع لإرسائها تحتاج إلى المعرفة والمال والخبرة والجدية في تجسيد صناعة ناجعة ذات تنافسية عالية.
وبالنظر بشكل واقعي يلاحظ في الظرف الراهن توفر نسيج صناعي، لكنه مازال يواجه تحدي التكامل، لأنه يفتقر إلى التناسق والعمل كقوة إنتاجية موحدة، بل ولازال يخشى نوعا ما من التحول في الذهنية، بفعل تجربة الاستيراد التي تهيمن على سلوكات عالم الأعمال، وكذا مواجهة الأسواق الشرسة التي لا تعطي فرصة للمترددين.
لقد باتت الشراكة في قطاع الصناعة ضرورة لإنعاش النمو وتنويع الاقتصاد، على اعتبار أن العديد من التجارب أثبتت نجاعتها من خلال مشاريع ناجحة، من بينها «رونو» و»مرسيدس بنز». ويضاف إلى كل ذلك طبيعة السوق الجزائرية الاستثمارية والاستهلاكية التي دون شك سوف تخدم الصناعة والمستثمر على حد سواء لمؤشراتها الإيجابية، لكن بالموازاة مع ذلك يجب الأخذ في الحسبان أن الصناعة ليست إغراق السوق المحلية بالإنتاج وإنما من الضروري إدراج إستراتجيتها ضمن البعد التصديري نحو أسواق خارجية، خاصة بالنسبة للصناعات التي تملك فيها الجزائر قدرات ومقومات، من بينها الصناعات الغذائية والدوائية والإلكترونية والكهرومنزلية، خاصة بعد أن صارت هذه القطاعات أمام فرص ذهبية من أجل التحول إلى قوة اقتصادية تحترف التصدير نحو الخارج على غرار السوق الإفريقية، التي تضرب للمؤسسات الجزائرية موعدا حاسما بانعقاد منتدى الشراكة الجزائري الإفريقي بالجزائر خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر المقبل، وينبغي من اليوم التحضير للمنتدى من خلال ضبط قوائم للمنتجات والسلع المرشحة للتصدير إلى إفريقيا التي تعرف أسواقها انتعاشا إلى درجة أن البلدان القوية وضعتها في مرمى شركاتها الكبيرة.