يبقى حزب جبهة التحرير الوطني الفاعل رقم واحد في الساحة السياسية من خلال صنعه الحدث رابحا أو خاسرا، وبالنظر لإرثه التاريخي وقدرته على التأثير في الأحداث وقلب الموازين، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
إن العارفين بخبايا وكواليس الحزب، يدركون جيدا أن استقالة سعداني ومجيئ ولد عباس لم تكن بالبساطة التي طبعت التصريحات المؤكدة على انتهاء مرحلة في الحزب وبداية أخرى ستكون الانتخابات التشريعية أول امتحان للجيل الجديد للتأكيد على مدى وفائه للحزب وتكذيب الولاء للزعامات والأشخاص، الأمر الذي وقفنا عليه عند مغادرة الراحل مهري وبعده بن فليس وعبد العزيز بلخادم وأخيرا سعداني، الذي انفجر غضبا عندما حاول بعض أعضاء اللجنة المركزية رفض استقالته، ووصل الأمر ببعضهم إلى البكاء في صورة درامية، تؤكد أن الكثيرين يخشون من صراعات معلنة وغير معلنة قبل التشريعيات التي لطالما جعلت الحزب يعيش حالات عصيان وتمرد من خلال الترشح في قوائم حرة أو الانتقال لأحزاب أخرى والفوز بمقعد في البرلمان، ثم فتح لهم باب التوبة وعادوا للحزب العتيد من الباب الواسع.
كان سعداني جريئا ومندفعا من خلال خطاباته وتصريحاته التي أحدثت جدلا كبيرا وكانت وقودا لتحريك المشهد السياسي وخلق ردود فعل متباينة، حتى بات الرجل قائد رأي ينتظره الجميع ويتساءلون عن غيابه، بالنظر لاعتماده الأسلوب المباشر وعدم عمله بواجب التحفظ.
قبل أن يستقيل سعداني، ترك عديد الرسائل الواضحة وأخرى سيميط الوقت اللثام عنها، من خلال حديثه عن توغل أصحاب الشكارة وضرورة رحيلهم عن الحزب، فضح الكثير من المناضلين الذين يناضلون بالرسائل الهاتفية القصيرة وبانتظاره لساعات قرب مقر الحزب للسلام عليه وتقبيل جبهته.
سعداني، الذي رافع للدولة المدنية وحشد الجميع للجدار الوطني، انتقد كلاّ من حنون ومقري وجيلالي سفيان ورفض الحديث عن وجود معارضة، ها هو يغادر الساحة السياسية لأسباب مرضية - كما قال - لكن ما لا نعرفه عن أية أمراض يتحدث، هل هي أمراض سياسية أو جسمية، فبين تقبل الاستقالة وتفاجئ الكثيرين بها، يظهر أن حزب جبهة التحرير الوطني سيبقى وفيا لكواليسه وصراعاته غير المعلنة والتي يظهر أن حلها لن يكون غدا.