ككرة اللّهب بدأت صغيرة لكن حجمها أخذ يتّسع ويكبر بعد أن باشر البعض بمدّها بالحطب والبعض الآخر برشّها بالبنزين، إلى أن تحوّلت إلى حريق هائل، التهم إلى حدّ الآن أجزاء كبيرة من أمن ووحدة ليبيا ومقدّراتها الاقتصادية، وهو يهدّد بالامتداد إلى الجوار والإقليم ما دامت التدخلات الخارجية المدفوعة بأجندات تدميرية تدفع نحو مزيد من التصعيد والتعقيد، وخلط لخيوط الأزمة التي تفجّرت قبل ست سنوات دون أن تبرز لها نهاية.
في الواقع بداية معضلة ليبيا كانت بسبب تدويل أزمتها التي كان بالإمكان تطويقها بقليل من الحكمة والتفاهم بين الأشقاء هناك، لكن المتآمرين الذين خطّطوا لتفجير الوضع ببعض البلدان العربية تحت مسمّى «الرّبيع الدّموي»، حدّدوا مسارا آخر للوضع بأرض شيخ الشّهداء عمر المختار، بدأ بتدخّل «الناتو» للاطاحة بالنظام السّابق وتصفية رأسه، وامتدّ إلى ضرب الوحدة الوطنية عبر بعث النّعرات القبلية وتأجيج الخلافات السياسية مرورا بزرع التنظيمات الإرهابية ووصولا إلى تفجير الصراع على السلطة والثروة ما خلق انسدادا حال دون تزكية أيّ حكومة من الحكومات العديدة التي تمّ تشكيلها، وآخرها حكومة فايز السراج المعترف بها دوليا، والتي لازالت تبحث عن ثقة البرلمان الذي يؤيّد حكومة موازية في طبرق، وتواجه انقلاب حكومة طرابلس السابقة التي تسعى لاستعادة زمام المبادرة بالعاصمة.
ومن وراء كلّ هذه الفوضى الخلاّقة، يمضي المتآمرون في نهب نفط ليبيا، والمؤكّد أنّه حينما سينتهون من استنزاف ثرواتها، سيرفعون أيديهم عنها، لتجد نفسها في إفلاس غارقة في المصاعب الاقتصادية والشدائد الاجتماعية والأمنية.
خطأ الأشقّاء في ليبيا أنّهم ساروا كالمنوّمين مغناطيسيا وراء جهات قادتهم إلى الاصطدام والاحتراب، وإراقة دماء بعضهم البعض، وللأسف الشديد كانت الأصوات الداعية الى إبعاد التدخلات الخارجية وحل الازمة سلميا عبر تفاهمات داخلية لا تصل سمع أحد، طبعا فالصخب الذي يحدثه المؤجّجون والتّنظيمات الدموية التي غرسوها هناك كان قويا إلى درجة إنه كان يمنع الانصات إلى صوت العقل والحكمة الذي رفعته الجزائر على وجه الخصوص، والتي لازالت تؤكّد بأنّ الحل في ليبيا يمرّ عبر اجتماع أبنائها حول طاولة حوار واحدة للبحث عن مخرج يصون في الأول والأخير أمنهم ووحدتهم، ويحمي خيراتهم ويبعد الخارج عن أيّ تسويةّ لأنّه لا يرى في ليبيا غير كعكة يسعى لالتهامها.
بعد 6 سنوات من التوتر والعنف، والهدر المجاني للمال والسكينة، على الليبيين أن يجنحوا إلى السلام، وبإمكانهم الاعتماد على الجزائر لترافقهم الى تحقيق هذا المبتغى، فهي لا تتحرّك تحت أيّ دافع غير دافع تمكينهم من استعادة أمنهم واستقرارهم، ومن خلال ذلك تحقيق استقرار وأمن المنطقة التي باتت مهدّدة بإرهاصات الأزمة اللّيبية.