البلديات مقبلة على تصوّر جديد في مجال التّسيير، وهذا بإخراجها من النّمطية التي اعتادت العمل بها منذ تأسيسها خلال مرحلة الستينات، وفق المفهوم الاداري البحت، تسليم وثائق الحالة المدنية ولجان مغلقة على نفسها تقترح مشاريع ليتقرّر مصيرها في مداولات المجلس الشّعبي المنتخب فيما بعد، والأغلب منها لا تمرّ نظرا لتكاليفها الباهضة أحيانا، ناهيك عن رأي المراقب المالي الذي يتحفّظ على الكثير منها كونها لم تخضع لدراسة معمّقة، كما تحمل العديد من النّقائص لا يعقل المصادقة عليها.
هكذا تشتغل هذه المؤسّسات القاعدية في الوقت الرّاهن، أي حسب ما تشير إليه النّصوص القانونية في هذا الشأن التي تعد متشدّدة ولا تترك أي منفذ أو هامش لهؤلاء الأعوان في الاجتهاد أو اتّخاذ المبادرة التي يرونها مناسبة أحيانا لصالح بلدياتهم.
وعليه فإنّ السّلطات العمومية تفكّر مليّا وجديا من أجل السّعي للتكيّف مع السّياق الرّاهن، وخاصة المالي منه، وهذا بإدخال هذه الهياكل في منطق جديد ألا وهو الانفتاح على المحيط، صحيح أنّ البداية تكون من خلال تعديل ما يعرف بقانون البلدية والولاية، إلاّ أنّ الأرضية الواجب أن تعتمد لاتباعها مستقبلا على ما يلي:
❊ أولا: ضرورة شروع البلديات في توظيف كفاءات ذات مستوى عال في التخصصات المالية والتجارية.
❊ ثانيا: التّركيز على برنامج تكويني واسع النّطاق لكل أعوان اللّجان المشكّلة مع كل عهدة جديدة.
❊ ثالثا: العمل على توقيف المصاريف غير الضرورية المتوجّهة إلى مسائل لا تتطلّب كل تلك الاعتمادات المخصّصة لها.
❊ رابعا: إعادة النّظر في النّظام المحاسبي المعمول به في البلديات مع مراجعة مهام المراقب المالي يجعله جزءا من هذه العملية الجديدة.
هذه النّقاط وأخرى هي المحدّدة للاطار العام للنّشاط المأمول خلال الآفاق القادمة.
وضمن هذا التوجه، فإنّ شعار الفترة الآتية هو
«الاقتصاد»، بمعنى إدراج المجالس الشعبية المنتخبة ضمن استراتيجية جديدة قائمة على تدبير مداخيل أخرى أو بالأحرى إضافية على غرار ما هي عليه حاليا، والتفكير في مصادر ثانية بإمكان البلدية أن تقترب منها في الوقت المناسب لاستغلالها استغلالا عقلانيا يراعي الواقع، ولا يراد من هذا العمل الضغط على التجار أو المستفيدين من كراء أملاك البلدية وغيرها، ليس الأمر هكذا كما يتصوّره البعض بل أنّ هناك نظرة تمليها مقتضيات السياق الحالي، وهذا من خلال تكييف النصوص مع الواقع والوصول إلى سقف معين من المطابقة، بالابتعاد عن كل ما يسمى بـ «السّعر الرّمزي» أو بـ «المجان» أو «إعانة»، وغيرها من الأدبيات التي سرنا عليها منذ زمان.
والتّشخيص الدّقيق الذي تقوم به وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الوقت الحاضر، يرمي الى إحداث التوازن في هذا التوجه الجديد، وهذا بالابقاء على المهام المخوّلة للبلدية كونها تتمتّع «بصفة الانتخاب»، وهذا عامل جوهري حتى لا تختلط مع «الصّفات» الأخرى، ما يستدعي الانتباه هنا، هو أنّ المجهود سينصب على رؤية متناسقة في الأهداف تلتقي عند كل ما هو محلي، لا تخرج عن هذا النطاق أبدا أو تتجاوز الصلاحيات الواردة في هذه المراجع، خاصة بالنسبة لرئيس البلدية ونوّابه، الذين هم مكبّلون بمواد لا تسمح لهم بالتحرك إلا في حالة المرور عبر ما يسمّى بـ
«المداولات»، أما غير هذا فهو أي المسؤول الأول عن المجلس الشعبي البلدي غير مستعد للمغامرة بنفسه في اتخاذ قرارات قد تضربه ليجد نفسه وجها لوجه مع العدالة ومتابع قضائيا.
لذلك فإنّ الوصاية أحسن ما فعلت عندما سارعت إلى دراسة القانون المسيّر لهذه الفضاءات، بإعادة الاعتبار لكل الفاعلين فيه، وهذا بتغيير مفهوم عهدة رئيس البلدية بتجريدها من طابعها الاداري البيروقراطي، وفي مقابل ذلك إضفاء عليها مهمّة أخرى في الميدان من خلال عقد نجاعة يختبر هؤلاء في الواقع، ومدى قدرتهم على التّسيير وإخراج البعض من هذه المجالس من الصعوبات.