الجباية المحلية مصدر مالي حيوي بالنسبة لمداخيل البلديات التي تواجه صعوبات في هذا الجانب نتيجة لعدم تحكمها في كيفية تسيير المرافق الموجودة عبر اقليمها من ناحية التنظيم الصارم في هذا الموضوع، والاكتفاء فقط باتباع الطرق المعروفة في هذا الشأن، انتظار ميزانية الدولة وماتدره البعض من المؤسسات العاملة على ترابها.
هذه المعاينة الميدانية ماتزال قائمة الى يومنا هذا بالرغم من دعوات الجهات المسؤولة، أي وزارة الداخلية والجماعات المحلية التي مافتئت تشدد على ضرورة السعي الجاد من أجل فتح هذا الملف من قبل المجالس الشعبية البلدية، لكن لاحياة لمن تنادي.
رؤساء البلديات لا يتحركون إلا إذا كانت بحوزتهم وثائق رسمية تحميهم من كل هفوة قد تكلفهم متاباعات قضائية أومتاعب أخرى ومهما حاولت اقناعهم بالمبادرات المتطلب السير عليها، إلا أنهم يرفضون ذلك رفضا قاطعا، مكتفين بما ورد في القوانين التي أمامهم لا أكثر ولا أقل، وهذه الذهنية التحفظية هي التي أدت الى ضياع الكثير من الفرص في هذا الاطار، وبقاء العديد من هذه المؤسسات القاعدية رهينة تلك النظرة الى غاية انتهاء عهدة هذه المجالس وهذا مايسجل في كل مرة.
وعليه فإن جل هؤلاء المسؤولين المحليين تجاوبوا مع الحركية الجديدة في الرقمنة والبيومترية غير أنهم في مسألة التفاعل مع الجباية المحلية وجدوا صعوبة غير مفهومة لاحظها المسؤولون لدى الوصاية الذين بذلوا قصارى جهودهم قصد ابراز منافع هذه العملية على مستوى الخطاب المستعمل تجاه هؤلاء لحملهم على أن يكونوا في مستوى هذا الطلب الذي يخدم الجماعات المحلية، واخراجها من النمطية المفروضة والقائمة على أن هناك بلديات غنية وأخرى فقيرة أو بالأحرى عاجزة.
من هذا المنطلق، أرادت وزارة الداخلية والجماعات المحلية محو هذه الرؤية الخاطئة واحلال محلها أخرى جديدة تفسح المجال لاعادة تقييم ما بحوزة هذه البلديات من امكانيات على مستواها ( محلات، أسواق، ملاعب، سكنات) وغيرها، كل هذه الموارد غير مثمنة بالكيفية اللازمة وانما هناك أسعار رمزية فقط، هذا ماأثر كثيرا على هذه الهياكل وبقيت تعاني ماليا من عهدة الى أخرى.. فهل الاشكال في النصوص أم في المجلس المنتخب؟
نعقتد بأن الاشكال كل الاشكال يكمن في التركيبة البشرية للطاقم المسير للبلديات الذي لايملك الكفاءة العالية واللازمة لادارة مثل هذه الحالات، لذلك يكتفي بما لديه من مرجعيات قانونية ولايريد الخوض في مسائل أخرى تفوق امكانياته، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنهم يرون في صناديق المساعدة والتضامن التي أقرها قانون البلدية والولاية مصدرا ماليا هاما لتمويل المشاريع المسطرة دون الذهاب الى خيارات أخرى.
هذا التشخيص الواقعي هو الذي أدى الى بقاء الوضع على ماهو عليه، الى غاية يومنا هذا أي من فترة انتخابية الى أخرى، لذلك فإن النصوص المسيرة للجباية المحلية في حاجة ماسة الى ادخال عليها تعديلات جوهرية، وهذا بفصلها كليا عن قانون الضرائب والحاقها بقانون البلدية والولاية حتى تكون واضحة في مآلاتها ومستقلة عن باقي القواعد الأخرى، بالاضافة الى مطالبة رؤساء البلديات بالاستجابة لهذه الدعوة الملحة ومسايرتها، وهذا أولا بتدعيم هذه المؤسسات بكفاءات ومهارات قادرة على مواكبة هذا العمل الطويل المدى وفق رؤية دقيقة قد تبدأ بما يعرف بـ» البلدية، النموذج» التي تفتح كفضاء للتجربة شريطة أن يكون المسؤولون المحليون على اطلاع وعلم بامكانيات البلدية، قصد بحث كيفية تثمينها بطريقة معقولة وبهدوء، بعيدا عن أي مجاملة وهذا لإعادة الاعتبار لمفهوم الجباية المحلية على أنها دعامة متينة لديمومة نشاط البلدية في التكفل بمواردها البشرية.