دسترة المصالحة الوطنية

آلية سياسية أعادت الاستقرار إلى الوطن

جمال أوكيلي
30 سبتمبر 2016

دسترة المصالحة الوطنية بإدراج قيمها في ديباجة أسمى وثيقة في البلاد، يترجم الحرص الذي تبديه الجزائر من أجل نقل رسالة واضحة المعالم وقوية المضمون إلى الأجيال مفادها، أن هذه الآلية أعادت الاستقرار إلى ربوع هذا الوطن، بفضل ما تضمّنته من رؤية سديدة وعميقة ونظرة حكيمة لحل الأزمة الأمنية.
هذا ما التزم به رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة عند اعتلائه سدة الحكم، عندما كشف للجميع أن شغله الشاغل هو إطفاء نار الفتنة، مما يمهد حتما لإعادة الاعتبار لتسيير الشؤون العامة للبلاد، بما فيها بعث التنمية الشاملة وعودة الجزائر إلى المسرح الدولي بغد غياب قدر بعشريات كاملة.
هذا المسار السياسي المتوجه لتسوية مسألة معقدة جدا، بقيت قرابة عشرية (فترة تسعينيات القرن الماضي) بدون حسم تراوح مكانها. قناعة عميقة لرئيس الجمهورية بضرورة الخروج من هذه الوضعية، مهما كان الأمر... والمسعى في هذا الشأن، كان الوئام المدني، الذي أتى بثماره عن طريق مؤشرات ملموسة، كنزول العديد من الأشخاص واسترجاع كميات من الأسلحة.
غير أن ما سجل من إقبال على صنادق الاقتراع أذهل الجميع، على أن هذا الشعب محب للسلام.
وحفاظا على هذه الحيوية، تقرر في سنوات معدودة الذهاب إلى خيار آخر ألا وهو المصالحة الوطنية، بسنّ قانون يراعي تداعيات الأزمة رعاية كاملة، دون إلحاق الضرر بأحد وهذا ما تم تبنّيه في النص، والتشديد عليه فيما بعد، أي حفظ مصلحة الوطن قبل كل شيء.
والذين رفعوا شعار «اللاّعقاب» أخطأوا في تقديراتهم، كونهم وقعوا ضحية أفكار إيديولوجية رهينة لمرحلة معينة... واستمروا عليها، معتقدين أن الشعب يسمح لهم بالتمادي في نسف أي مبادرة وطنية صادقة ومخلصة في آنٍ واحد، تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد كل تلك المأساة.
الإدارة الفولاذية لرئيس الجمهورية كانت أقوى من دعاة الإبقاء على الوضع كما هو. وهكذا خاطب الجميع في التجمّع الشعبي بتيز وزو، قائلا: «دلّوني على حلّ آخر، فأنا مستعد للتخلّي عن المصالحة».
هذا التضمين يشير صراحة إلى أن كل ما تم القيام به من قبل، لم يسوّ هذه الأزمة الأمنية القاسية والحادة، فما علينا اليوم إلى الانخراط القوي في هذا العمل.
والأكثر من هذا، كم من مرة تساءل الرئيس بوتفليقة، هل يتواصل هذا الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد إلى يوم الدين؟ يكفي أن عدد الضحايا وصل إلى ٢٠٠ ألف قتيل والخسائر المادية ٢٠ مليار دولار... هذا التشخيص الواقعي ما هو إلا تعبير عن أن هناك إصرار لا حدود له في التخلص من الحالة الراهنة.
لابد من التأكيد هنا، أن مواعيد أخرى كانت تنتظر الجزائر، خاصة ما تعلق بالتنمية وإعادة الروح إلى الاقتصاد الوطني. وهكذا، فإن قرار التسوية فرض نفسه ووزنه، وهذا عندما فصل فيه الشعب الجزائري واختار السلم على شيء آخر.
هكذا طرأ على الوطن تحول تاريخي استثنائي، وهذا أثناء منح الكلمة للشعب للتعبير عما يختلج في صدره، ليدعم ويعزز تلك الوثبة المراد إنجازها في وقت قياسي.
هذا هو السياق الذي جاءت ونشأت وتطورت فيه المصالحة الوطنية، بعد ١١ سنة، ما علينا إلا أن تثمّن هذا التوجه الصادق، النابع من أعماق خيّري هذا الوطن، الذين آمنوا به إيمانا راسخا وساروا على دربه.
وللتاريخ نقول، إنه أنقذ الجزائر من الانهيار الكامل، كما كان يخطط له المتربصون من وراء البحر، انتقاما من مواقفها الوطنية التاريخية ودفاعها عن الشعوب المقهورة.
هكذا عاد كل من ضلّ الطريق وغرّر به إلى رشده وجادة الصواب، وهذا بالاندماج مجددا في أحضان المجتمع ودخول الحياة المهنية العادية، وفقا ما ورد في قانون السلم والمصالحة الوطنية، وهو عمل يهدف إلى الانسجام والقبول بالآخر، وإزالة الحقد والانتقام والكراهية، كل هذه الآفات تم القضاء عليها بفضل هذا النص.
هذه الإشادة والاعتراف، نجدها اليوم في الدستور الجديد، الذي لم يتوان في إيلاء العناية اللازمة للمصالحة الوطنية، كونها غير مرتبطة بآجال محددة، كما يعتقد البعض، بل هي ممتدة في أغوار هذا الشعب وضاربة في أطنابه، ومن حقنا مخاطبة الأجيال القادمة بأن المصالحة الوطنية هي التي أعادت الهدوء إلى كامل هذا الوطن، هي قيمة سياسية عالية وتجربة نادرة لا مثيل لها، الكثير من الشعوب التواقة إلى الوحدة تريد أن تطبقها على مستواها.
ومفهوم المصالحة يعني كذلك، التسامح والصفح الجميل، والإيثار واحترام الآخر، وعدم إقصائه وتهميشه، لأن كل هذه الدلالات مجتمعة تؤدي إلى تناغم المجتمع تعكسه سلوكات الأفراد.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024