موعد مع التاريخ

سعيد بن عياد
27 سبتمبر 2016

تقف منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبيب» على عتبة مرحلة جديدة تبدأ من اجتماعها غير الرسمي بالجزائر، لإعادة صياغة ورقة طريق لسوق المحروقات، تنهي حالة الفوضى وتعيد ما يتطلبه الظرف من استقرار وتوازن باعتماد ضوابط تؤسس لحوار مفتوح بين البلدان المنتجة من أعضاء المنظمة في مرحلة أولى، ومن خارجها في مرحلة أخرى.
لعل اجتماع الجزائر، بمناسبة احتضانها منتدى الطاقة العالمي، يعد بحد ذاته إنجازا للمنظمة، التي دخلت منذ سنوات في مرحلة تراجع، بفعل أزمة الاقتصاد العالمي من جانب، والتهاب الصراعات الجيوسياسية في أكثر من منطقة من العالم وخروج مناطق إنتاج عديدة في مناطق تحترق بسبب نزاعات وحروب داخلية وإقليمية من سيطرة الحكومات لصالح منظمات إرهابية وعصابات إجرامية تشتغل مع شركات ذات نفوذ وجدت ضالتها في ظل الفوضى لتحصل على الذهب الأسود بأبخس الأثمان.
غير أن تدهور العلاقات بين بعض كبار المنظمة، انعكس سلبا على ثقلها، مما أدى إلى انهيار الأسعار التي دخلت دوامة التراجع إلى درجة حملت تهديدا كبيرا للاستقرار، ليمتد الخطر إلى بلدان اعتقدت في مرحلة أولى أنها في منأى عن أي أزمة سيولة مالية. وما أن تواصلت ظاهرة انهيار أسعار برميل النفط حتى لحق الضرر مجسدا في خسائر مالية بالكثيرين من البلدان التي أدركت في نهاية الأمر مدى أهمية مراجعة الخيارات التي لم تتوقف الجزائر عن الدعوة إليها، من خلال إعادة التحكم في السوق النفطية، وفقا للمصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين، والفصل بين الخلافات السياسية الإقليمية والمصالح المالية والاقتصادية للدول لارتباطها مباشرة بحق الشعوب في التنمية المستدامة بمضمونها الاجتماعي والإنساني في الحاضر والمستقبل. وكرست الجزائر، عن طريق دبلوماسيتها، جهودا كبيرة لتقريب وجهات النظر بين أكثر من طرف، وبناء جسور الثقة للجلوس حول طاولة الحوار المفتوح على المستقبل، بما يوفر للأجيال في كافة البلدان من أعضاء المنظمة الإمكانات والوسائل اللازمة لتحقيق النمو الضامن للأمن والاستقرار والسلم الذي يحتاج إليه العالم الذي يتهدده الإرهاب. هذا الأخير تسللت عصاباته ومنظماته إلى الساحة مستهدفة مقدرات الشعوب، تتقدمها الموارد الطبيعية والسيطرة على منابع النفط في أكثر من جهة في الشرق الأوسط، مستثمرة في مناخ الفتن والحروب الداخلية والترويج لأنصار ضرب الدولة الوطنية، وهو ما يحمل تهديدا يشمل الجميع، بجرهم إلى إفلاس في المديين المتوسط والطويل، مما يكون قد أيقظ بعض الضمائر الحية من أعضاء «أوبيب» التي أبدت إرادة في إنهاء الأمر الواقع والتحرك لبناء مسار جديد يستجيب للتطلعات المشروعة في حدها الأدنى على الأقل.
في ضوء هذا التوجه المسؤول، فإن محطة الجزائر تكون مواتية للتوصل إلى توافق سيعود بالفائدة على الجميع، من خلال اعتماد حوار بروح بناءة تنفتح على المستقبل أكثر من النظر في المرآة العاكسة للماضي الملطخة بخصومات ونزاعات تأتي على الأخضر واليابس، وذلك استجابة لانشغالات وتطلعات الشعوب التواقة لمواصلة التنمية وقطف ثمارها الاجتماعية والإنسانية. ويقتضي هذا الموقف المسؤول، التوافق على جعل استقرار سوق الطاقة بتجميد سقف الإنتاج المسجل وتوازن أسعار برميل النفط في حدود 50 إلى 60 دولارا، ومن ثمة منح الفرصة للجميع بإنجاز مرحلة التحول الاقتصادي عن طريق الطاقة التي تبقى في الظرف الراهن وقود الاستثمار والتنمية المستدامة ومنارة إنهاء مظاهر التخلف والفاقة في أكثر من بلد من أعضاء المنظمة قبل غيرهم. بل يمنح هذا التوجه فرصة لتعزيز مسار التضامن العالمي بتمويل مشاريع في مناطق تعاني الفقر وتلهبها صراعات مدمرة هي بمثابة وصمة عار في جبين النظام العالمي الراهن، الذي يقود العالم إلى ما يشبه حالة انتحار واندثار بفعل أنانية دول وجشع شركات عابرة للحدود ولا وعي مسؤولين يقع على عاتقهم التزام حماية الأمن والسلم في كافة أرجاء العالم والنهوض بالبشرية قاطبة ضمن أهداف ألفية الأمم المتحدة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024