يبدو أنّ الهدوء الذي عاشه قطاع التربية الموسم الماضي، والجهد المبذول من الوزارة الوصية مؤخّرا لرفع مستوى التعليم، لم يعجب بعض الأطراف التي راحت تبحث عن طرق لإفشال مساعي الإصلاح وتجديد البرامج والمناهج، مستعملة وسائل التواصل الاجتماعي للتشويش والتضليل والتهويل، ومن ثمة خلق قضايا ونقاشات هامشية وتأجيج الناس وافتعال المشاكل.
فبعد أن تخلّص التلميذ نوعا ما من كابوس الإضرابات والاحتجاجات، ها هو يواجه اليوم إرادة غير بريئة تريد تشتيت تركيزه وتحطيم عزيمته، وتسعى لثنيه عن بذل الجهد والتعلم المتواصل وتكسير “ريتم” دراسته، وهو الذي يمني النفس كل سنة دراسية أن يحترم البرنامج كله، ويبقى طوال الموسم مركّزا على دروسه ومراجعتها، بعيدا عن الاحتقان والصّراعات والجدالات العقيمة.
لا يترك أصحاب هذه الإرادة هفوة أو خطأ بسيط على مستوى القطاع، حتى يحوّلونها إلى قضية رأي عام ويصنعون من الحبّة قبّة، رغم علمهم أنّها هفوات وأخطاء ليست وليدة اليوم، وقعت وتقع في أغلب الدول بما فيها المتقدّمة، مستغلّين لهفة الجزائريين بمواقع التواصل الاجتماعي، والتزايد المهول للقنوات التلفزيونية الخاصة، لتأجيج الأوضاع وخلق جو مشحون مليء بالتراشق وتبادل التهم وحالة من التخويف وعدم الاستقرار.
هم يبدون من خلال البيانات والتصريحات والمنشورات، على أنّهم أحرص الناس على مصلحة التلميذ والمدرسة، وعلى هوية وقيم وأصالة الوطن، لكن في حقيقة الأمر هم بهذا النوع من السجالات والجدال والتأويلات يؤدون دور الهدّام لكل إصلاح، ويشوّشون على التلميذ، ويشتّتون تركيزه، ويحبطون عزيمته، ويعكّرون صفو جو الدراسة، وصدق الشاعر الذي قال في أمثال هؤلاء: متى يبلغ البنيان يوما تمامه...إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
مناقشة اقتراحات الوزارة غير منبوذ، والتنديد بالأخطاء غير مكروه، وتقديم الاقتراحات محمود، والاعتراض على القرارات مسموح، لكن في إطار ما يسمح به القانون، بفتح نقاشات هادفة، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة التلميذ، وتعالج كل المشاكل والأخطاء بهدوء، دون إحداث بلبلة وضجيج أو اللجوء إلى تصريحات وقرارات تنطوي على مخاطر غير محسوبة العواقب.