أظهرت قنوات فضائية سعت للاستثمار الدعائي في معالجة غير دقيقة لحادثة اصطدام القطارين قصورا في تحري الدقة والتزام حد أدنى من المهنية، بحيث راحت بعضها لإذاعة سقوط قتلة وقدمت إحداها رقما خياليا مما أثار الفزع في نفوس المتبعين، ليتبين بعد أن زال الغبار أن هناك قتيلا واحدا تغمده الله برحمته والعشرات من الجرحى بخطورة متفاوتة. ضجيج إعلامي ولغط كلامي طبع تلك التغطيات في وقت كان يتطلب فيه أن يساهم كل طرف في تهدئة النفوس وتبين الحقيقة بدل السقوط في متاهات اللهث وراء الإثارة دون الاكتراث لانعكسات ترويج إشاعة وكلام غير مؤسس.
أمام هكذا مواضيع تتطلب الدقة والأمانة من حيث معالجة الخبر دون التأثير في مضمونه بأي شكل من الأشكال يتأكد مرة أخرى مدى أهمية التزام قواعد المهنية وأخلاقياتها بما في ذلك احترام المتلقي بحيث لا يعقل أن يبدي حامل ميكروفون أو كاميرا تصوير ما يعتقد أنه خبر صحيح قبل أن يجتهد في الوصول إلى المصدر أو اعتماد رأي خبير مشهود له أو على الأقل الاكتفاء برصد شهادات من عين المكان دون الوقوع في حالة أشبه باستباق للأحداث المتوالية وكأن هناك تعطش للعثور على قتلى.
ولأن الأحداث المؤلمة تحولت إلى جزء من يوميات المجتمع فإن مسؤولية الإعلام وخاصة السمعي البصري، الذي يخضع لضغط الوقت تتزايد، لذلك ينبغي الحذر حتى لا يتحول المشهد الإعلامي العام إلى سوق لتنافس غير نزيه بحثا عن نسبة أعلى للمشاهدة عن طريق ضخ للمعلومات أغلبها قيل وقال أو مجرد انطباعات لشخص أو تهيئات لآخر مقابل تسويق في تلك اللحظة الصادمة لومضات إشهارية تجارية لا صلة لها بالخبر المؤلم والحزين. وعلى الأقل من باب احترام المشاهد والضحايا أن لا تبث صفحات إشهارية وسط مواضيع من ذلك القبيل.