في الوقت الذي تتعاظم فيه أزمة اللاجئين بتحولها إلى معضلة عالمية حقيقية بالنظر إلى الأعداد المتزايدة لأمواج بشرية ضخمة هاربة من جحيم الحروب والاقتتال بحثا عن مناطق آمنة، لازال المجتمع الدولي لم يحسم أمره بعد واكتفائه بالبحث عن حلول ظرفية لا يمكنها وقف هذا النزيف.
إن الأرقام المخيفة التي أعلنت عنها المحافظة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تعبّر عن حجم هذه الكارثة التي لازال المجتمع الدولي يحاول معالجتها بطريقة مقلوبة فبدل البحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة - التي أصبحت تشكل مصدر تهديد للأمن و السلم الدوليين- لا زالت الدول الكبرى - التي تتحمل المسؤولية المادية و الأخلاقية الأكبر عن هذه المأساة البشرية- تعمل على معالجة النتائج في شكل حلقة مفرغة من خلال الايهام بالتكفل باللاجئين أو العمل على إعادتهم إلى بلدانهم أو منع من تبقى منهم من الوصول إلى أوربا و غيرها من الحلول التي لا يمكنها بأي حال من الأحوال إنهاء الظاهرة أو وقف الزحف على أوروبا مادامت الأسباب التي تقف وراءها موجودة، فبأي حق يطالب العالم المتطور أولئك اللاجئين بالبقاء في بلدانهم أو بعبارة اصح يطالبهم بالموت بعيدا عنه بينما هو من اغرق الدول التي تنعت بانها الدول المنتجة للاجئين في دوامة العنف و الفوضى و المجاعة مثل سوريا، ليبيا و العراق و الصومال و جنوب السودان ...الخ باسم الديمقراطية والحرية، أفلم يدرك المجتمع الدولي بعد أنه مطالب بتصحيح أخطائه في حق هذه الدول و إخلاص النوايا في إنهاء الأزمات التي تعصف بها وحولتها حاضنة لإنتاج اللاجئين في حال استمرت الأوضاع على حالها و حينها لن تفيد الملايير من الدولارات المرصودة في وقف تدفق اللاجئين على أوروبا وعلى غيرها لان غريزة البقاء على قيد الحياة لا يمكن أن يوقفها احد و ان أولئك اللاجئون الذين يطرقون أبواب أوربا يوميا لن يردعهم شيئ في تحدي الموت نفسه بحثا عن الحياة و يكفي ان الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة سجلّت هلاك و فقدان أكثر من 3000 مهاجر في عرض البحر الأبيض المتوسط في رحلة بحثهم عن الحياة على الضفة المقابلة من أصل 300.000 مهاجر نجحوا في الوصول إلى السواحل الأوربية.
إن إعلان الدول المانحة في اجتماع قمة الأمم بنيويورك حول اللاجئين يومي 19 و20 سبتمبر الجاري على المساعدة في حل أزمة اللاجئين دون تقديم أي التزامات، يثبت أن هذه الدول لم تكتمل لديها النية الحقيقية في إنهاء هذه المأساة بل أكثر من ذلك يؤكد أن هذه الدول تبيّت نية التنصل التام من مسؤولياتها الأخلاقية و المادية التي تقع على عاتقها بحكم حجمها الاقتصادي و السياسي اللذان أعطاها حق رسم السياسات والتوجهات العالمية الكبرى والتي من بين ضحاياها أولئك اللاجئين.