الثورة لم تكن مقاومة بالسلاح فقط.. ولم تكن مجرد مواجهات لعصابات في المدن.. ولم تكن حربا في الجبال أيضا.. ولم تكن محصورة في منطقة دون أخرى.. ولم تكن حكرا على فئة دون البقية.. بل كانت ثورة حملت مشروع مجتمع برمته.. حضرت أرضيتها بإحكام وتدبر وسارت وفق خطة رسمها أبناء نوفمبر.. ونفذها أبطال المنظمة السرية.. وفجرها الأشاوس في الأوراس الأشم.
الثورة وهي تشتعل في وجه الأعداء كانت بردا وسلاما على قلوب أولئك المستضعفين لتحريرهم من براثن الهمجية والاستبداد.. ونارا على الاحتلال والمعمرين والمرتزقة.. فلم يعد للسكوت أي مبرر وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
التزم الأشاوس بدحر الغطرسة الاستعمارية وكفها عن تجاوزاتها التي بلغت اللاممكن.. رغم القلة في العدد والعتاد.. لكن الحيلة في الشدة أكبر من التريث وانتظار الآتي المبهم.. كانت الشرارات الأولى تسحق كل النقاط الاستدمارية.. واستمرت أمام جبروت إدارتها ودهائها الجهنمي، إلى أن جاء المدد من الشمال القسنطيني وفك الحصار عن الأوراس المحاصر وتنفس الرفاق الصعداء.
في المقابل كانت تحضر أرضية ميثاق الصومام، الذي تحول من منطقة بوزعرور شمال سكيكدة إلى الصومام ببجاية.. بعيدا عن أعين فرنسا.. وأقرب نقطة لبعد المسافات ومفترق طرق لكل الولايات التاريخية.
عباقرة الثورة وهم يعقدون مؤتمرهم التاريخي لثاني أهم وثيقة في ثورتنا المجيدة بعد وثيقة نوفمبر.. كانت نقاشاتهم واحدة «الجزائر واحدة لا تتجزأ»، وهم بذلك يعيدون تثبيت عربة الثورة في سكتها.. وإعادة تنظيمها ورسم معالمها ونقاط توقفها واستمراريتها.
فكانت أرضية الصومام لبنة جديدة في مسار الثورة ومحفزا لشموليتها وديمومتها حتى النصر.. وما دخولها العلنية بعد السرية التي رافقت انطلاقتها، إلا خيار استراتيجي رسمته أفكار العباقرة ممن اختاروا الشهادة عوض الحياة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.