مازالت رائحة الثورة تسكن الأمكنة وتعانق كل الأوتاد والجبال من غربها إلى شرقها. الزوايا كما هي لم تبرح مطارحها وظلت تحتفظ بوشم الثورة وكفاح الأفذاذ والأشاوس، ممن صنعوا ملحمة التاريخ والياذة نوفمبر الخالدة.
من جبال أولاد سلطان إلى أعالي بوطالب الشامخ، مر أولئك الذين صنعوا التاريخ وتركوا بصمات من ذهب في كل زاوية من هذه الأعالي الضارب شموخها في عز ومجد الوطن، على هذه المساحات الشاسعة لقن هؤلاء البسطاء الكادحون من فلاحين وعمال غير أجراء، كوادر الغطرسة الاستعمارية دروسا في الاباءة والكفاح، فكانت مقاومتهم لا تقهر وقوتهم لا تقاوم رغم الحيلة واليد القصيرة، إلا أن الاعتقاد بوجود الصرخة الأولى المدوية، كفيل بأن يهد جبالا ما بال بكمشة من اللفيف الأجنبي ومكائد مستعمر غاشم.
معارك خلدتها بطولات المجاهدين والشهداء ممن سقطوا ليحيا الوطن المفدى، أجبروا فيها فرنسا بالعودة من أول نقطة، ظنت فيها أنها لا تقهر، فألبسوها ثوب الخزي والعار ولقونها دروسا لم تحفظها في حروبها الطويلة والحديثة.
معركة أولاد سلطان، هذه المنطقة الضاربة في عمق أوراسنا الأشم، مازالت إلى اليوم تستذكر أبنائها الأخيار الذين استعملتهم فرنسا الاستعمارية حقول تجارب، ومارست عليهم أبشع أنواع الإبادة والوحشية والاستذلال منذ القرن الماضي إلى غاية صهيل الثورة، التي اختارها أبناء المنطقة عنوانهم وزاويتهم الآمنة من الوحشية الجهنمية.
مازالت المنطقة تستذكر إخوة وأبناء عمومة عائلة سعادي، وذلك المركز الذي أوى المجاهدين وحماهم من مغبة الاستعمار، مازالت كل حجرة من جبال أولاد سلطان تلك الليلة المشؤومة التي سيق فيها هؤلاء إلى مقصلة الجلادين ليكونوا شهداء بررة أخيار.
لم تكن أمام المجاهدين أنذلك سوى أسلحة بسيطة سداسية وخماسية بقيادة أحمد لاندوشين سي صوالح، حيث لقن جيش التحرير العدو درسا لن تنساه فرنسا وإدارتها الاستعمارية أبد الدهر.
فرنسا التي لم تستسغ هزيمتها لم تجد أمامها سوى لغة الانتقام من المدنيين العزل والحيوان، فقامت بإبادتهم دون رقيب ولا حسيب، في المقابل رفاق لاندوشين غادروا الموقعة سالمين غانمين.
معركة أولاد سلطان اليوم تستحضر ماضيها الأبي وتصرخ في حاضرنا اليوم، بأن خطوط الموت واحدة والشهادة لمن اختاره الله، تحية إجلال لهذه الأرض الصامدة بحجم كل هذا العمر لها، لأنها صنعت ملحمة الوطن المفدى.