سلوكات غريبة لم نألفها.. لم تكن من شيمنا.. ولا من أدبياتنا.. ولا هي من أبجديات الحوار السياسي في قواميسنا، تصرفات مشينة ركبت موجة التحرر والانفتاح الديمقراطي، فظلل بها صيفا وظلت طريقها في الخريف، إلى أن صارت وخيمة ومرادفة لكل تعبير مخالف لثقافة الحوار التي ألفناها في حياتنا الاجتماعية ومشهدنا السياسي.
عجلات محروقة في أي مكان من المدن أو بالقرى والأحياء والملاعب وقرب المؤسسات الحكومية والمحلية وكأن السلوك الشاذ صار الطريق الأسهل والأكثر تعبيرا عن حالة الاحتقان أو الانتظار التي طال أمد ترقبها، الظاهرة استفحلت بشكل يثير التقزز وتطرح حولها العديد من الأسئلة السوسيولوجية والنفسية والسياسية، انطلاقا من الإفرازات التي تخللتها هذه الثق-آفة الغريبة
وكأن هذه التصرفات لامناص منها ولا خيار لنا غيرها، حتى بات الاستثناء في حياتنا هو الثابت والمواطنة هي المتغير، هذا السلوك لم يعد حكرا على مواطن عادي أو شباب بطال أو في مقتبل العمر أو حتى عامل مسن مثلا بل أصبحت رفيقا وحليفا لكل الشرائح الاجتماعية بمختلف مشاربها ومكوناتها، الأدهى من ذلك أنها في بعض المحطات صارت الغاية التي تبرر الوسيلة، فانغرست معها مطالب السياسيين واحتجاجاتهم.
نحن اليوم أمام تحديات كبرى، وتمكين المواطن من حقوقه لن يتم إلا عبر قنوات معروفة، ومتفق عليها بوسائل وآليات يكون فيها الرأي والرأي الأخر على خط واحد من المعادلة، حتى نتمكن من إيصال خطاباتنا وتمرير الرسائل الواضحة في إطار شفافية وعقلانية مثلى لا تشوبها شائبة، يكون فيها الحوار القاسم المشترك بعيدا عن لغة التهديد والوعيد وتوابل «التغنانت» التي لن تكون عواقبها إلا وخيمة على المواطن والوطن.
دق ناقوس الخطر يأتي من الشارع، لأنه الحاضن الكبير والجامع لكل السلوكات على اختلاف مشاربها، فبقدر ما يجب تحول الانشغال إلى سلوكيات حضارية يكون فيها الاستماع للأخر السمة الغالبة دون تغييب ولا تهميش حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه في مجتمع تتزايد عدوانيته يوما بعد يوم.
التشبع بثقافة الحوار وصفة لبناء الذات وحمايتها من كل الشبوهات والتعقيدات، التي أحيانا ما تكون الإدارة سببا في تأرجحها، نتيجة غياب الوعي أو العجز في إيصال المعلومة أو تقديم بدائل الحلول الممكنة، لذلك وجب تغليب إرادة العقل على ناصية الفعل حتى تكون تصرفاتنا حكما لنا لا علينا بعيدا عن آفة العجلات المحروقة.