بعد قرابة ٣٢ سنة من الانسحاب الإرادي والاختياري للمغرب من الفضاء المؤسساتي الإفريقي استفاق من غيبوبته مقررا التسلل بايعاز من بعض الأطراف التي نصحته بأن يسترجع عضويته، لكن بأي مسلك؟ ما يريده هو فرض شروط مسبقة منها إبعاد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، هل هذا معقول ومقبول؟
هذا البلد أقصى نفسه بنفسه خلال منتصف الثمانينات وهناك من هلل لهذا الخروج عندما وصف اجتماع قادة الأفارقة بـ «تام، تام» ومقابل ذلك دخل فيما يعرف بالمحاور السياسية في القارة على أساس ثنائي، لكن تأثير هذا الخيار بقي محدودا نظرا لكونه غير مبني على قاعدة متينة وإنما تحالفات ظرفية تلاشت فيما بعد وذهبت أدراج الرياح.
لا يعقل اليوم، أن يبدي المغرب نية كهذه دون أن يدفع ثمن ذلك، والقصد واضح كل الوضوح رغبته هذه تضعه تحت طائلة المؤسسات التابعة للاتحاد الإفريقي، التي أنشئت في غيابه وهناك شروط لأي مسعى للإنخراط ولا يحق لأي كان الإدعاء بأنه الضامن لهذا البلد هذا غير موجود في المواثيق الأساسية للاتحاد، فالطلب لدخول هذا المنتظم يكون فرديا كما أن التحايل الراهن المفضوح وغير الأخلاقي والقاضي بوجود ٢٨ دولة طلبته بالإقدام على هذه الخطوة، لا أساس له من الصحة ومجرد مناورات لا غير، براد منه القول بأن هناك عملا مسبقا أنجز مع هذه البلدان لطرد الجمهورية العربية الصحراوية من الاتحاد الإفريقي، ثم يمهد الطريق للمغرب بأن يدخل من الباب الواسع متحديا الجميع.
وإن اعتقد المسؤولون المغاربة على هذا النحو فهم على خطأ لا يغتفر، وقدومهم إلى هذا الاتحاد لا يترجم التزامهم بالمبادىء الكبرى منها خاصة دعم حركات التحرير في القارة، والالتزام باللائحة المشهود لها ١٤ / ١٥ وإنما يريد التمادي في التشويش على الإتحاد من خلال وضع ضمن أولوياته إخراج الصحراويين رفقة البعض من المتواطئين معه، في مثل هذه الحالة فإن الطلب المغربي يعد مرفوضا مسبقا ولن يقبل به إلى إشعار آخر، وهذا عندما يظهر نوايا حسنة في خدمة ومساعدة الاتحاد على ترك الصحراء الغربية لأهلها.
من الالتزامات القوية التي يتطلب أن يحترمها المغرب الإقرار بكل ما ورد من لوائح الإفريقية حول النزاع الصحراوي، منها خاصة السماح لمبعوث الإتحاد السيد شيسانو القيام بمهامه على أحسن مايرام، وعدم محاصرته ورفض زيارته للأراضي المحتلة، ومنعه من التواصل مع أعضاء من مجلس الأمن فيما يتعلق هذا الملف.
كما عمل على نسف كل الجهود الخيرة الرامية إلى ترسيخ المبدأ التحرري في القارة، الذي يعتبر العمود الفقري للاتحاذ الإفريقي.
هذا النشاط الخفي للمغرب سقط سقوطا حرا أمام إرادة القادة الذين قرروا بناء هذا الصرح مهما كانت الضغوط باستكمال مسيرة نضال منظمة الوحدة الإفريقية بكل ايمان وثبات، خاصة النيباد.
خلال كل هذه العشريات كان المغرب على الهامش يتفرج على ما يجري مفضلا المراهنة على العمل الجزئي بدلا من الكل أي التحرك في نطاق ضيق مع بلدان تعد على أصابع اليد التي أرادت تعطيل المؤسسات الناشئة المتولدة عن الاتحاد.
وهكذا لن يسمح لهذا البلد إملاء شروطه على المجموعة الإفريقية، وممارسة ضغط من أجل الانضمام، هذا مرفوض جملة وتفصيلا، فالطلب الذي يقول عنه بأنه سيقدمه لاحقا سيدرس من كل جوانبه وأي تجاوز في هذا الشأن، سيتحمل عواقبه الوخيمة، لأن الحقائق أو بالأحرى المعطيات تغيرت رأسا على عقب، لسنا بصدد التعامل مع منظمة الوحدة الإفريقية، التي فقد فيها عضويته عقب قرار إنسحابه، وإنما هنا هيكل جديدة ألا وهو الاتحاد الإفريقي، وعليه الإنصياع والإذعان لكل مراحل الانضمام، منها بالأخص احترام الدول الأعضاء المؤسسين منهم الجمهورية العربية الصحراوية.
وندرك جيدا الكلام الذي دار في المغرب خلال السنوات القليلة الماضية التي أراد تبني استراتيجية جديدة في إفريقيا، ليس من أجل خدمة القارة وإنما محاربة الحضور الصحراوي ليس إلا وهذا القدوم نوايا سيئة وخلفيات مغرضة لا يجد مكانه المناسب اليوم لأن الإرادة المتوفرة لدى الأفارقة في تقرير مصير الشعب الصحراوي وليس هناك تراجع عن هذه القناعات.