عين السلطات العمومية تحرص حرصا شديدا على الأداء الاقتصادي في الجزائر، على ضوء التحولات الطارئة في أسعار البترول، وهذا باعتماد خطاب صريح وصارم في آن واحد لا يكتنفه غموض أو يشوبه لبس، هدفه إظهار تحديات المرحلة وكشف رهانات السياق قصد التكيف معها حتى وإن كانت تداعياتها مؤلمة أحيانا، وهذا بالذهاب إلى آفاق أخرى غير التي اعتدنا السير عليها فيما سبق، تترجم متطلبات التغيرات ومقتضيات الخيارات المفروضة التي لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها.
وهذه التوجهات الجديدة التي يحملها الجهاز التنفيذي حتمية لا مفر منها جاءت لتقدم إجابة واضحة ومقنعة لكل من يتساءل عن الهدف منها:
أولا: الإسراع في إيجاد البديل لكل الفجوة المالية الناجمة عن النقص في الواردات البترولية التي وصلت إلى سقف ٥٠٪ وهذا بانتهاج سياسة التنوع الاقتصادي الذي يبحث عن مصادر دخل جديدة.
ثانيا: تحريك القطاعات الحيوية القادرة على إحداث هذه الوثبة. وهذا بالتوجه إلى التصدير، بدلا من استهلاك ما ينتجه الغير.
ثالثا: الرهان على تقليص فاتورة الاستيراد والأولوية في ذلك منحت إلى الاستعداد الكامل للتخلص من كل تلك الكميات الهائلة من الاسمنت وكذلك الحديد، ثم تلي المجالات الأخرى المعول عليها.
رابعا: الإبقاء على هذا الخط الصارم، مما قد يكون له الأثر المباشر على المؤشرات الاقتصادية التي تتجه نحو التصنيق في خانة الإيجاب.
وهذه الرؤية الصارمة ترفض رفضا قاطعا المزيد من التبذير في العملة الصعبة، كما تعمل على تفادي المصاريف والنفقات غير المناسبة، التي تستنزف مداخيل الدولة لذلك فقد تقرر الاحتفاظ بسقف ١٠٠ مليار دولار كاحتياطي صرف في الجزائر مهما كانت الظروف.
وهذه الرسالة متوجهة إلى كل الذين يعتقدون بأن الاغتراف من هذا الاحتياطي مازال ساري المفعول كما كان الأمر في السابق، هذا خطأ فادح إن واصل الشركاء وآخرون يفكرون فيه لأن المبلغ سيعرف انخفاضا محسوسا إلى غاية ٢٠١٩ أي من ١١٦ مليار دولار إلى ١١١ مليار دولار، ويعني كذلك أن التعامل مع هذا الاحتياطي سيكون بحذر شديد، ووفق نظرة دقيقة لا تسمح بأن يتم تقليص الحد المتفق عليه مع الحفاظ على السير الحسن والعادي للميزانيات.
لابد من التأكيد هنا بأن هذه الإجراءات هي خيار جزائري سيادي، لا علاقة باملاءات أو نصائح صندوق النقد الدولي، الذي اعترف على لسان الوفد الذي أقام به بلادي بقيادة مدير إدارته السيد عدنان مزارعي بأن الجزائر قادرة على تسيير المرحلة الراهنة، بالرغم ما تعرضت له أسعار النفط.
والمؤشرات التي أعلنتها الجزائر فيما يتعلق بنسبتي النمو بين ٣،٥ و٤٪ والنمو مابين ٤،٧٠ و٤٪ هي نفسها التي صدرت عن الأفامي، حيث يتوقع تحسنا إلى غاية ٢٠٢١، النمو ٣،٤٪ في ٢٠١٦، و٢،٩٪ في ٢٠١٧ و٣،٤٪ من ٢٠١٩ إلى ٢٠٢١، ليس هناك فوارق كبيرة لأن الاتجاه العام هو النمو الإيجابي، غير أن أرقامه هذه مدعو إلى تصحيحها في أقرب وقت عند نشره التقرير الفصلي القادم، اعتمادا على مراجع جزائرية.