أخطبوط الموت

فنيدس بن بلة
15 جويلية 2016

صدمة كبيرة تعيشها فرنسا التي اهتزت، ليلة الخميس، على وقع الاعتداء الإرهابي الشرس، الذي ضرب أكثر المدن أمنا واستقرارا ووجهة سياحية بامتياز. صدمة تعيشها باريس بعد اعتداءات 13 نوفمبر التي أحدثت شرخا في نظام الأمن الفرنسي، وأظهرت الحاجة الملحة إلى مقاربات بديلة للتصدي للإرهاب لا تعتمد على الخيار الأمني وحده، بل تضاف إليه معطيات سياسية اقتصادية وجيواستراتيجية.
يظهر هذا جليا مع تفاني الجماعات الإرهابية واعتمادها خيارات تجعل المعطى الأمني وحده هشا لا يقوى على مواجهة أي طارئ مستقبلا. جماعات تعتمد على خلايا نائمة تطلق على تسميتها “الذئاب” تتحرك وقتما تشاء وتضرب حيثما تريد، مخترقة العمق الفرنسي ناقلة الصراع المفتوح مع السلطات إلى أبعد نقطة وأكثرها حساسية واستراتيجية.
يظهر هذا جليا من تخطيط جماعات إرهابية ترتكب أشرس الجرائم وأكثرها مقيتة، مستعملة قيم وتعاليم تحرمها القوانين والأديان السماوية وينبذها الإسلام دين الاعتدال، الوسطية والتسامح محذرا قتل الحياة الآدمية بلا وجه حق.
بالأمس سقط أكثر من 80 ضحية ويوجد 50 شخصا بين الحياة والموت، عقب الاعتداء الإرهابي على “نيس” التي كانت تعيش نشوة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، وترسم علامات الفرحة بعد مرارة الانهزام الفرنسي في التتويج بالذهب في بطولة أمم أوروبا «يورو 2016» الذي اتخذت بشأنه الدوائر السياسية الرياضية الفرنسية كل التدابير لتبقى الكأس في باريس ولن تغادرها.
جرت الأمور عكس التوقعات والتخطيط، وأخطأت الهدف ببروز معطى آخر غير كل شيء وزاد من النزيف والجرح. ففي غفلة نفذت الجريمة الإرهابية بأهدأ مدينة معيدة إلى الأذهان حتمية الخروج من حالة التفاؤل المفرط والاعتقاد الراسخ بأن الوضع الأمني متحكم فيه بفرنسا. وإرفاق هذا الخطاب السياسي والنظرة التأملية الاستشرافية بصور تؤسس لهذا الوضع غير الواقعي.
وزاد من هشاشة قرار محاربة الإرهاب، نمو عصابات الإجرام والتمادي في الخطاب السياسي المغذي للتطرف والكراهية وإلصاق كل التهم بالمسلمين رافعا من وتيرة “الإسلاموفوبيا”. خطاب لم يعد مسوقا من التيار اليميني المتطرف للأسف، لكن امتد إلى تشكيلات سياسية أخرى غايتها الضرب على هذا الوتر الحساس للفوز بأكبر الأصوات الانتخابية.
رأينا كيف حكم ساركوزي فرنسا ببرنامج اليمين المتطرف وظل سائرا على هذا الدرب دون أخذ في الحسبان إجراءات تهدئة الأحياء الملتهبة وتمادي موجة الغضب وسط الفرنسيين. بل واجههم بخطاب أكثر تطرفا غذى أكبر موجة «الاسلاموفوبيا» وضرب بقوة ما تحقق من قبل في سياسة الاندماج المفتوحة للجالية الأجنبية المولدة عن موجات الهجرة.
بعد ساركوزي لم يحدث التغيير المنتظر. لا زال الخطاب السياسي يعادي المسلمين ويلصق بهم تهم التطرف والإرهاب دون وضع حواجز ولا الخروج من سياسة المكيالين التي اعتمدت لحسابات مصلحية ومطالب النفوذ.
تداعيات هذه السياسة نعيشها اليوم وتكشف عنها أكثر علامات وحالاتها، والاعتداء الإرهابي على “نيس” إحدى مؤشراتها الخطيرة.
الخطر الإرهابي الذي ضرب فرنسا لا زال قائما. وجرائمه العابرة للأوطان حذرت منها الجزائر أيام العسر وبينت أن مواجهة هذه الجماعات المتطرفة التي تكفر من يعارض فكرها ولا تعترف بالاجتهاد، وتدعي أنها وحدها مالكة للحقيقة المطلقة، يفرض التعاون الدولي الجاد. وتحتم على الجميع الخروج الحتمي من دائرة الانتقائية والمكيالية.
لاننسى أن الذين غذوا الإرهاب وصنعوا تنظيماته في مخابر استعلاماتية، اعترفوا في كتابهم ومذكراتهم جهرا بذلك، هم من يجنون اليوم تداعياته الخطيرة. والجبهات الحربية التي فتحوها في مختلف الدول ومخططات تفتيت نظمها وهياكلها في العالم العربي الشاهد الحي على ما نقول.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024