مجزرة أخرى تشهدها مدينة نيس الفرنسية لم تستعمل فيها هذه المرة لا المتفجرات ولا الأحزمة الناسفة ولكن مجرد شاحنة تبريد استأجرها منفذ الهجوم للقيام بجريمته النكراء في حق آمنين أبرياء فدهس منهم المئات الشيء الذي يثبت مدى صعوبة وتعقيد ظاهرة الإرهاب، حيث أنه وإن تم كشف هوية المهاجم تبقى الدوافع و الأهداف – رغم ترجيح فرضية العمل الإرهابي – غير محددة بسبب عدم تبني أي جهة لهذا الهجوم فما عدا النداءات التي أطلقها العدناني - الرقم الثاني في تنظيم داعش الإرهابي- مؤخرا عبر الانترنت والتي دعا فيها منتسبي التنظيم والمقتنعين بفكره إلى التقتيل والإبادة بكل الوسائل المتاحة وفي كل الأماكن، التي اعتمد عليها البعض لتوجيه أصابع الاتهام إلى داعش ليس هناك ما يثبت ذلك بالشكل الكافي.
إن هذا الاعتداء الجبان لا يختلف في إدانته اثنان مهما كانت دوافع ارتكابه، ولكن مثل هذه الهجمات تؤكد مرة أخرى أن السياسات التي اتخذتها الدول الغربية اتجاه مكافحة الإرهاب لم تكن لا مخلصة ولا فعالة بالقدر الكافي وعليه فان ما يحدث في فرنسا اليوم ما هو إلا انعكاس لسياسة خارجية عرجاء وقصيرة النظر انتهجتها باريس وفتحت بذلك على نفسها أبواب كل شيء تماما كما لم تكن سياستها الداخلية أفضل بسبب فشلها الذريع في سياسات الإدماج ويتجلى ذلك من خلال الإصرار على تحميل جزء من المواطنين الفرنسيين - المغاربيين على وجه الخصوص- مسؤولية ما يحدث في فرنسا وهذا رغم الشعارات التي تتغنى بها الطبقة السياسية الفرنسية كالمساواة والعدل بين الجميع بينما لا تزال الجمهورية الفرنسية لا تقف على نفس المسافة من الجميع.
إن القضاء على آفة الإرهاب والعنف يبدأ باستئصال الأسباب الحقيقية التي توفر الأرضية الملائمة لانتشار الفكر الإرهابي والإجرامي وبؤر النزاعات التي أصبحت تشكل حواضن لتلقين هذا التفكير وتكوين جيوش من الإرهابيين قدم أغلبهم من أوروبا ومن دول أخرى إلى سوريا والعراق وليبيا واليمن للالتحاق بتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين بمساعدة بعض أجهزة المخابرات الغربية التي تحوّل الكثير منها إلى مكاتب لتجنيد الإرهابيين لصالح «داعش» من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية تتعلق بمناطق السيطرة والنفوذ واستعمال هؤلاء كوقود في خطط قلب أنطمة سياسية بالقوة على غرار ما حصل مع نظام القذافي والذي كان فيه لفرنسا اليد الطولى وذلك رغم التحذيرات الجزائرية لما سيترتب عن ذلك من تهديد للسلم والأمن الدوليين وقبلهما أمن أوروبا وفرنسا تحديدا ولكن لا حياة لمن تنادي وهاهي فرنسا تدفع اليوم ثمن السياسات المندفعة والمتهورة لساركوزي التي لم يراع فيها إلا أحقاده وأوهامه النابوليونية والتي بسببها يكتوي الشعب الفرنسي بنيران أوقدتها هذه السياسات في الكثير من الدول ليتأكد الجميع أن المواقف الجزائرية حيال الكثير من القضايا والأزمات الدولية لم تأت من فراغ ولكن من نظرة استشرافية فاحصة وما تغيّر مواقف الكثير من الدول في التعاطي مع دمشق إلا دليل على انتصار وجهة نظر الجزائر التي سينصفها التاريخ ويشهد لها أنها لم تخض مع الخائضين ولم تتهافت على تنفيذ برامج الدمار الذاتي المصنعة في المخابر والغرف المظلمة.