عريضة توقيعات أخرى فتحها حقوقين، مؤرخون ونشطاء من المجتمع المدني قصد استرجاع ٣٦ جمجمة لأبطال المقاومة الجزائرية موجودة على مستوى المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس تتجاوز مدتها القرن من الزمن تضاف إلى قائمة الكترونية تقدر بحوالي ١٦٠٠ توقيع منذ ٢٠١١.
إعادة بعث هذا المطلب الوطني، ما هو في حقيقة الأمر إلا شكل من أشكال ترجمة فعلية لمحاولات المراهنة على ثقافة النسيان التي يراد لها البعض أن تحتل تلك المساحة في ذهنية الجزائريين للتخلي عن تاريخنا النظالي والثوري في آن واحد بقلب المعادلة ويصبح الجلاد ضحية، هذا ما ينطبق على يطالب به الأقدام السوداء والحركى اليوم.
كما ندرج هذا الإنشغال العميق، الضارب في وجدان أبناء هذا الشعب ضمن تلك الصرخة المدوية الرافضة للاستعمار والتلاعب بما يسمى بإصلاح الذاكرة على أنها حكر طرف واحد الذي يعتقد بأنه يمسك بكل مفتايح أغوار الأرشيف.
ولا يمكن الفصل أبدا بين الذاكرة والأرشيف الذي لم يسلم منه إلا ما نسبته ٢٪ وهذا رقم ضعيف جدّا، لا يساوي أي شيء إذا ما قورن بما استولى عليه هؤلاء، خلال فترة ١٣٢ سنة من الاحتلال. ويتذكّر الجميع أن الخرائط المتعلقة بالألغام المسلّمة خلال السنوات الأخيرة تبين فيما بعد أن سيول المياه جراء الأمطار والفيضانات جرفتها إلى نقاط أخرى من المواقع التي كانت مثبتة فيها. هذه عينة من الوثائق التي يبادر الفرنسيون بإعطائها للجزائريين لا تحمل أي معنى من ناحية الإستغلال.
ونستبعد أن تسلم الدوائر الفرنسية جماجم قادة المقاومة الشعبية الأشاوس والبواسل الذين تصدوا لتلك القوافل من الجيوش التي كانت تبيد الجزائريين عن آخرهم، ويتعلّق الأمر بمحمد لمجد بن عبد المالك (شريف بوبغلة)، الشيخ بوزيان، موسى الرقاوي، سي مختار بن قويدر التيتراوي، عيسى الحمادي، ومحمد بن علال بن مبارك.
هذه القامات في المقاومة، ليست هياكل عظمية بل هي شهدات حية عن رفض الجزائريين، للاحتلال الفرنسي، مهما أدى بأنه «ناقل للحضارة « بل وجد أناس أشداء وصناديد استماتوا في الصمود حتى الموت وتلك الجماجم دلالة واضحة على عدم مهادنة عساكر فرنسا منذ ١٨٣٠.
ومن حقّ الجزائريين السعي من أجل استعادة كل ما أخذه الإستعمار ليس الجماجم فقط، بل هناك أشياء ترفض فرنسا الكشف عنها، لذلك علينا توخي الحذر في هذا المسار حتى لا نسقط في فخّ المطالبة بالجزء وترك الكل، أو يريد البعض ربح المزيد من الوقت، لأن الملامح التعجيزية تظهر من خلال تصريحات مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس السيد ميشال غيرو المتناقضة التي تارة يشير إلى إمكانية منحها للجزائر، وتارة أخرى يقول يكفي أن يقدم الطرف الجزائري الطلب، وأن مجرد إتفاق بين الدولتين الجزائرية والفرنسية يمكن أن يسهّل المسعى واستنادا إلى هذا الكلام، فإن الطرف الفرنسي أضفى الطابع السياسي على هذا الملف، عندما رفع من سقف آليات تسليم الجماجم واستثنى في هذا الإطار كل محاولة أقل من أفصح عنه، وهذا عند ما قال يجب أن تتم الطلبات عن طريق الدبلوماسية وليس بواسطة جمعية ليس لها حقّ خاص حول هذه الرفات.. وتبعا لحديث هذا المسؤول فإنه لا توجد جمعية قائمة بذاتها وراء إرجاع هذه الجماجم.. كل ما في الأمر أن الباحث الجزائري في التاريخ القديم وعلم النقوش الليبية والفنيقية والمهتم بالمقاومة الجزائرية السيد علي فريد بلقاضي هو الذي كشف عن هذه الجماجم لذلك فإن هذا الطلب ما زال ساري المفعول من أجل تحسيس الجميع بأهمية مواصلة النضال من أجل تلبيته ويكون ذلك بفضل مشاركة الجميع وخاصة المؤسسة الوطنية للأرشيف لعبد المجيد الشيخي، التي لها تجربة في هذا الشأن.
والأمل كل الأمل أن ينخرط أحرار هذا الوطن في هذا المسعى التاريخي ليكون بداية لمرحلة جديدة في مواجهة الأطرف المتزمتة تجاه مطالب الجزائريين حيال أرشيفهم التاريخي، الذي بالرغم من مرور عليه أكثر من ٥٠ سنة فما فوق حسب المقاييس المعمول بها دوليا في قانون الوثائق، غير أن الفرنسيين يرفضون رفضا قاطعا الإطلاع عليه، أما تسليمه فهذا من المستحيلات.