يلقي عيد استرجاع السيادة الوطنية بظلاله على ربوع بلادنا ليتجدد الوفاء المستمر لشهدائنا الأبرار والعرفان لمجاهدينا المخلصين الذين لم يبدلوا تبديلا،، إنه الخامس جويلية الذي يعيد إلى المشهد تلك الصفحات المضيئة لثورة التحرير التي كتبها جيل نوفمبر، متصديا لأقوى استعمار مدعوم بالناتو آنذاك ولأعوانه من الحركى والخونة، الذين تسعى بعض الأطراف في فرنسا اليوم التلاعب بهم والاستثمار في أوضاعهم، إلى درجة ـ كما أورده الموقع الالكتروني «كل شيء عن الجزائر»- القيام عشية المناسبة «بتكريم الحركى»، مما يثير أكثر من سؤال عن مدى التزام فرنسا بخيار المصالحة مع التاريخ واحترام ذاكرة الشعوب التي ضحت من أجل استرجاع سيادتها، وخاصة بالنسبة للجزائر التي عانى شعبها إبان الاحتلال ولعقود من ممارسات إجرامية وتجاوزات يندى لها الجبين ارتكبها الحركى والأقدام السوداء وغلاة المتطرفين في الإدارة الاستعمارية، الذي لم يرحموا حتى بعض أبناء جلدتهم ممن لم يعترفوا بالطرح الاستعماري وأقروا بحق الجزائريين في الاستقلال.. يسجل التاريخ أن تلك الفئة من الموالين للإدارة الاستعمارية - وعدد معتبر منهم أعلن توبته خلال احتدام معارك التحرير - اختارت مكانها وانخرطت في المشروع الاستعماري البشع من خلال تنفيذ البرامج العسكرية والاستخباراتية ضد المواطنين العزل واستهداف المناضلين والفدائيين بأسلوب انتقامي أشرفت عليه مصالح البوليس والعسكر الفرنسية، وعانى الكثير من الوطنيين من أعمال الحركى التي تعدت الحدود لو لم تتصدى لها إرادة الثوار حماية للسكان ودرءا للخطر على الثورة.. إنه التاريخ الذي يفضحهم ويزيح ما تبقى في أذهانهم من مغالطات يحاول اليمين الفرنسي خاصة - بمن فيهم المتسللون إلى اليسار - الذي لم يهضم إلى اليوم استقلال الجزائر ممارسة استفزاز ونوع من الانتقام بعد أن مني بفشل في بناء شراكة متوازنة وشفافة مع بلد ناشئ يرفض مقايضة الذاكرة.. منذ فضيحة «فالس» وخطيئة من داس على قيم الضيافة، لم يعد ممكنا فهم التوجه في عاصمة «الجن والملائكة» التي تغرقها اضطرابات وقلاقل تعكس وجود أزمة عميقة لم يعد ممكنا تغطيتها بطرح مسائل هي في سجل التاريخ ولا يمكن إطلاقا توظيفها لغايات انتخابية أو مشاريع نيوكولونيالية.. بالمقابل يحتفل الشعب الجزائري جيلا بعد جيل بعيد استرجاع السيادة الوطنية دون أن يهتز قيد أنملة كون الكتاب الصحيح للتاريخ يملكه في ضميره وتشهد عليه مجازر ومذابح ونهب واحتقار لا يمكن حصرها فتعود على مدار السنة لتشكل عقدة أبدية تلاحق «ضمير» محتل الأمس والرافض اليوم لشراكة متكافئة ترتكز على الاعتراف بتلك الحقبة الظالمة وإبداء «النية الحسنة» حقيقة في بناء علاقات تتجاوز إطار الظرفية المحلية أو الإقليمية.. إن هذا الإطار الذي تحكمه المصالح المتبادلة والمتوازنة يتطلب حدا أدنى من الالتزام بضوابط التاريخ والشراكة البناءة دون تجاوز على الذاكرة التي تحتفظ بصفحات سوداء لأعمال قام بها الحركى والأقدام السوداء في المدن والقرى والمداشر بشكل بشع سيروى للأجيال دون أن تمحوه احتفالاتهم هناك، التي تعتبر وصمة عار أخرى في جبين بلاد تتغنى بالقيم والحريات والعدالة.. أما احتفالاتنا هنا فبإظهار ما بلغته البلاد من ازدهار وتطور فتغير وجهها، دون التنكر لمن افتكها من براثين استعمار فرنسي استنزف الأرض والإنسان قبل أن يرحل وهو يجر أذيال الهزيمة، ليهزم اليوم أمام الذاكرة التاريخية أيضا التي تسقط عنه آخر الأقنعة، ذلك أن الحركى والأقدام السوداء يصنفون إلى الأبد في مزبلة التاريخ.