حالة من التذمر والاستياء تنتابك وأنت تلج بعض مصالح مستشفياتنا ليلا قصد إسعاف مريض أو إنقاذه من موت محقق، ومرات لتقديم علاج يكون بلسما على الآلام التي تنخر جسده الموبوء، وما إن تصدمك تلك الجموع الكثيرة عبر الرواق تنتظر دورها، يتملكك الخوف من نهايات تراجيدية أنت في غنى عنها، أو قد تسقط فيها لا محالة.
تمتد رحلة الإسعاف في البحث عن كرسي متحرك تنقل مريضك المصاب إلى ساعات، وإن وجدته فتلك أمنية لا تتحقق إلا نشازا بعد تدخلات كثيرة ومن مصلحة إلى أخرى تحت موجات «التالكي والكي» لأعوان الأمن، لكن دون جدوى، وإن حظيت بذلك المقعد لنقل مريضك، فذلك من صكوك الغفران، يجب أن تحمد الله على أن مصابك حباه الله.
لا أريد أن أكمل بقية المأساة في بعض مستشفيات «الشفاء» لأن ما قد يروى أدهى وأمر من الذي كنا نسمع عنه ولا نصدقه.
ليس من شيمة المرء أسودة كل شيء ووصف الأمور جميعها بالحالكة، إلا أن ما وقفنا عليه في ليلة واحدة بثلاثة مستشفيات كبرى بالعاصمة جعلتني أقر بأن الضمير الإنساني غائب تماما عند البعض ممن صادفناهم، وكان الأدهى لبعض منتسبي القطاع اكتساب الضمير المهني وأقول «اكتساب ولا أقول التحلي لحاجة في نفسي»، قبل ولوج هذه الخدمة الإنسانية السامية النبيلة، لأن المنتسب للمهنة لايمكنه امتهانها، مالم تتوفر هذه الشروط جميعها باعتبارها تدخل في سياق الأفعال الخيرية وتقديم العون وإنقاذ الأرواح ومعالجة الجرحى وغيرها من الإسعافات الأخرى.
رغم الإمكانيات المتوفرة والمورد البشري الهائل والمنشآت الكبرى للقطاع في كبريات المدن، يبقى التكفل الاستعجالي يغرق في الفوضى وقلة الحيلة وسوء التنظيم مما يولد ضغطا إضافيا على الطاقم المناوب، فيضيع المرضى في زحمة مشاكل هم في غنى عنها.
قليلا من الرعاية لمرضانا وكثيرا من الاهتمام للحالات الاستعجالية الطارقة أبواب مستشفياتنا بحثا عن شفاء مفقود ؟