استغرب الجزائريون لـ «مطالب» الأقدام السوداء بتعويضهم عن ممتلكاتهم عندما كانوا في هذا البلد.. وكأن الأمر يتعلق حقا بـ «أرضهم» التي احتلوها بقوة الحديد والنار، وأبادوا قرابة ١٠ ملايين من أهلها منذ ١٨٣٠.
نقول هذا من باب الدعوة إلى التحلي بالحذر تجاه التسمية.. «الأقدام السوداء»، من هؤلاء؟
نحن الجزائريين لا نتعامل مع «الأوصاف»، لأنهم جزء لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية الجهنمية التي احتللت هذا البلد، ولا يعقل أبدا الدخول معها في أي حديث حول هذا الجانب.
انطلاقا من هذا المفهوم، فإن بيان أول نوفمبر أعلن قيام الثورة ومغزى هذه الأخيرة هو التغيير الجذري للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أي القطيعة مع هذا الاستعمار وتدميره بشكل نهائي، مهما كانت التضحيات.
هذه الوثيقة حددت الأهداف بشكل دقيق حاضرا ومستقبلا، تعززت بالمواثيق الأساسية (أرضية الصومام...) وعزيمة قادة الثورة في إنهاء الاحتلال الفرنسي إلى غاية اتفاقيات إيفيان المتعلقة بإعلان وقف إطلاق النار.
ولابد من التأكيد أن هذه المراجع لم تضمن لأحد من الفرنسيين تعويضات أو شيئا من هذا القبيل... بل كانت صارمة في هذا الشأن، كل ما في الأمر أنها كانت متسامحة مع الذين يريدون البقاء في هذا الوطن، أما الذين غادروه فهم أحرار في ذلك وليس للجزائر مسؤولية تجاههم أو بالأحرى تبعات أخرى حيالهم.
ليس هناك أي نص موثق يشير صراحة إلى ما يسمّى بتعويضات الأقدام السودا... وما لم يرد في هذه النصوص تجاه هؤلاء لا يمكن الاجتهاد فيه أبدا، لأنها سابقة خطيرة جدا إن فتحنا هذا الملف، قد تتعالى بعض الأصوات الأخرى تطالب بأشياء كانت دائما محل انشغالاتهم.
يجب أن يدرك الأقدام السوداء وغيرهم من الغلاة الذين لم يهضموا حتى الآن استقلال الجزائر، أن تاريخ ١٩ مارس ١٩٦٢ هو بمثابة زوال النظام الكولونيالي من الجزائر بكل ترسانته القانونية الجائرة، ما ظهر بعد ذلك هو ميلاد الدولة الوطنية الجزائرية الفتية من خلال مؤسساتها السياسية التي تعد امتدادا للثورة، والأكثر من هذا هو القرار السيد للجزائريين الذي يرفض التعويض لأيّ كان.
وعليه، فمن حق الجزائريين غلق هذا الملف بشكل نهائي وكامل وهذا من خلال اقتراح مشروع قانون من قبل وزارة المجاهدين حتى يكون هناك طابع إلزامي لكل من يزال يفكر بمنطق الاستعمار، لأن هذا التأطير القانوني مهم جدا في خضم هذه الأطماع التي تجاوزت المعقول وهذا عندما يطلب الجلاد من الضحية التعويض، معتقدا أن الأمر يعد سهلا... أي مسألة وثائق وأموال، لا أبدا... ليس الأمر كذلك، هؤلاء يعتقدون بأن الجزائر سهلة المنال، هذا خطأ إن اعتمدوا عليه... ليس هناك شعب في هذا العالم حريص على استقلاله كالشعب الجزائري ولا يمكن التعويض للاستعمار باسم «الأقدام السوداء» ولا نعترف أبدا بأن لهؤلاء ممتلكات في الجزائر، بل هي أملاك الجزائريين سرقت منهم بالقوة.