خطوة نحو الاحترافية وحرية التعبير

20 جوان 2016

إن وصف “ثقيلة” الذي يطلق على وسائل الإعلام السمعية - البصرية، لم يأت من فراغ، لكن لما تمتلكه هذه الأخيرة من قوة تأثير على الرأي العام وقدرة على توجيهه وصناعته في الاتجاه الذي تريد وبالسرعة التي تشاء، والتجربة أثبتت أن صورة واحدة أبلغ من ألف كلمة على الصفحات الأولى لأعرق وأشهر الصحف والجرائد.
في هذا الصدد، لا بأس أن نعود إلى تجربة، ليست ببعيدة عنا، وهي أحداث ما سمي بالربيع العربي، أين تبين خلالها أن الكثير من الأحداث التي شهدتها بعض العواصم والمدن العربية، لم تحصل في واقع الأمر إلا في استديوهات بعض القنوات التلفزيونية، أين تم إخراجها بإتقان واحترافية قبل حصولها على أرض الواقع، وكيف أثر هذا الإخراج التلفزي بعد ذلك على انتقال شرارة الاحتجاجات والمواجهات على بعد آلاف الكيلومترات بسبب تلك المشاهد التي بثت عبر الشاشات. وبهذا نفهم جيدا أن وسائل الإعلام الثقيلة، شأنها شأن الأسلحة التي توصف بدورها بالثقيلة، فكلاهما تخلفان الدمار إذا بقيتا خارج التنظيم والمراقبة.
إن تنصيب لجنة ضبط السمعي البصري، أمس، من طرف الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، هي المفتاح الذي يمكن من خلاله الدخول إلى عالم الاحترافية المطعمة بتعزيز حرية التعبير في الجزائر، من خلال إسداء الوظيفة الرقابية لأهل الاختصاص لتعجيل الخروج السريع من أتون الفوضى العارمة التي يتخبط فيها القطاع، خاصة وأن الانفتاح على السمعي البصري في الجزائر كان سريعا ومفاجئا وكان من نتائج ذلك انتشار القنوات الخاصة كالفطر، قنوات ينشط أغلبها خارج الأطر القانونية، حيث أن خمس منها فقط من أصل ستين تحصلت على رخصة نشاط - باعتراف وزير القطاع نفسه - وهذا ما أدخل المشاهد الجزائري في دوامة وجعله فريسة لقنوات تقدم مادة إعلامية تتسم بالضحالة والسطحية وبرامج مستنسخة من قنوات أجنبية دون أن تراعى في هذا التقليد الأعمى أدنى شروط الخصوصية والهوية الجزائرية، ليتبين بكل وضوح أن إرضاء المشاهد يأتي في ذيل اهتمامات القائمين على تلك (الواجهات التلفزية) وهذا أفضل ما يمكن أن يطلق عليها.
إن انتقاد هذه التجربة لا يعني البتة الحكم عليها بالفشل، لأن ذلك من السابق لأوانه وعمرها لم يتجاوز الأربع سنوات بعد، وهي المدة التي استطاعت خلالها بعض القنوات انتشال المشاهد الجزائري من أحضان قنوات أجنبية أصبحت خبزا يوميا للجزائريين لسنوات، قبل ظهور القنوات الخاصة التي استطاعت أن تقلب الوضع ويمكن ملاحظة ذلك في الأماكن العمومية كالمقاهي، المتاجر والمساحات الكبرى، أين تجد كل شاشاتها مضبوطة على قنوات جزائرية.
إن هذه الثقة التي أعطاها المشاهد الجزائري للمنتوج الإعلامي الوطني، هو مكسب لا يجب التفريط فيه أو تركه بين أياد تمارس الهواية الإعلامية أو أخرى تستغلها لبث السموم الفكرية والانحرافات الخلقية، أو طرف ثالث يوظفها للنيل من استقرار وأمن الجزائر وتهديد الانسجام المجتمعي فيها ووحدة شعبها بمبرر حرية التعبير.
أعتقد أن هذه هي الخطوط الحمراء الرئيسة التي يجب أن تسهر سلطة ضبط السمعي البصري على عدم تجاوزها وهذه ليست مهمتها وحدها، لكن يجب أن تكون أولوية وطنية للدولة الجزائرية

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024