تتمادى بعض القنوات الفضائية في استباحة الفضاء العمومي من خلال إنجاز برامج مثل «الكاميرا الخفية» واستفسار الشارع حول قضايا مختلفة بالمجان، حيث يطلق العنان للميكروفون والكاميرا في أعمال تحمل استفزازا وأحيانا اعتداءات على خصوصيات المواطنين.
في بلدان أخرى، تضطر قنواتها إلى صرف أموال للحصول على صورة أو إعداد برنامج عام. عندنا كل شيء بالمجان. إحدى القنوات بثت، قبل يومين، برنامجا حول مدى ارتباط الجزائري بوطنه ورفض أيّ مقايضة من عدوّ الأمس وخصم اليوم. بدأت الحصة بنزول ميكروفون القناة إلى الشارع، حيث تبين مدى حرص الجزائري، شابا وكهلا وامرأة، على حبه لوطنه وتقديره لإنجازات الاستقلال وغيرته على الراية الوطنية. وتمادى حامل الميكروفون في استفزاز الشارع لما أخرج العلم الفرنسي محاولا إلباسه لمواطنين، كاد أحدهم أن يوجه له لكمة. الأدهى، لما وصل الأمر إلى حد مطاردة حامل الكاميرا المستهدفين في محاولة تعليق العلم الفرنسي على صدر وظهر مواطنين استهجنوا التصرف. كانت لقطة غير لائقة وصورة صادمة لا تمتّ بصلة للعمل الإعلامي وقد تخفي الكثير من ورائها. لعل البحث عن صورة مغرضة لغاية في نفس يعقوب، كما يقول المثل.
ليس بهذا النوع من العمل الفاقد للأخلاقيات (كل وأخلاقه) تبرز الكفاءات وتسطع الاحترافية في ظل مناخ من الحرية الإعلامية التي تمثل مكسبا ثمينا ينبغي حمايته من دخلاء و»بريكولاجيين» لا يعيرون للقيم والمشاعر حق قيمتها. هناك مواضيع لا يمكن تناولها أو العبث بها، ليس لأنها من «التابوهات»، لكن لأنها ترتبط بكرامة الإنسان، فلا يحق لكل حامل كاميرا (لديه مسؤولية اجتماعية) أن يتهجم على الشارع ومباغتة المواطن لجره إلى مسائل حساسة قد تكون لها تداعيات غير محمودة. وأحيانا، الإفراط في الحديث وعدم ضبط النقاش يفسد موضوع البرنامج حتى وإن كان في بدايته مهمّا.
لكن، أخيرا، بتنصيب سلطة الضبط السمعي البصري، يمكن أن تعيد كلاّ إلى رشده، لتعود معاير العمل المهني، حيث لا مجال لركوب من هبّ ودبّ حرية الصحافة بممارسات تشيطن الجميع وتسيئ للتاريخ وتضرب أسس المجتمع في الجوهر.