يبدو أن تأجيج المشاعر المناهضة للمغتربين الجزائريين المقيمين بفرنسا، لم تعد تقتصر على بعض وسائل الإعلام الفرنسية وعلى التيار اليميني المتطرف وعلى حتى مجرد تصرفات معزولة للبعض، لكن أصبحت ممارسات ترعاها الدولة الفرنسية، بل وعقيدة تلقن لأفراد الشرطة والدرك داخل مراكز التكوين، برعاية ومباركة الحكومة الفرنسية، على غرار ما تم نقله بالصوت والصورة من داخل المركز الوطني لتدريب الدرك الفرنسي في «سان آستيي»، يظهر في إحدى الحصص التدريبية لقوات مكافحة الشغب التابعة للدرك الوطني الفرنسي وهي تقوم بأداء مشاهد تمثيلية لمظاهرات واحتجاجات قام بها أفراد هذه القوة بالزّي المدني في مواجهة زملائهم من قوات مكافحة الشغب، إلى هنا الامر الأمر عادي جدا يتم الاعتماد عليه في كل مدارس تدريب قوات مكافحة الشغب من خلال هذا النوع من التمثيليات، لكن الشيء الذي لم يكن لا طبيعيا ولا مقبولا هو أن العناصر التي لعبت دور المتظاهرين كانت تصيح بعبارة (وان. تو. ثري فيفا لالجيري) خلال المواجهة مع زملائهم، وهذا ما يعطي الانطباع أن المشاغبين كانوا من الجزائريين المغتربين؛ بمعنى أن المشاغبين المحتملين الذين ستواجههم هذه القوات في الواقع، هم من الجزائريين من وجهة نظر السلطات الفرنسية وبالتالي أصبح لشعار (وان. تو. ثري فيفا لالجيري) الذي يحمل عندنا معاني الانتصار والفرحة، هو بالنسبة للحكومة الفرنسية مرادف للفوضى والاحتجاجات أو هذا ما توحي به على الأقل تلك المشاهد المأخوذة من المركز الوطني الفرنسي لتدريب الدرك التي نشرتها قناه «كنال+» الفرنسية في أحد برامجها الساخرة وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.
إن الأخطر من هذا كله، أن تلك الحصة التدريبية التي احتضنها هذا المركز الفرنسي الشهير لتدريب الدرك، تمت تحت مرأى ومسمع وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، الذي توجه في نهاية العرض نحو المتدربين وقام بتحيتهم وأثنى على مجهوداتهم في آداء الخدمة العمومية وحفظ الأمن العام في فرنسا، وكأنه يقرّ ضمنيا - أي هذا المسؤول الفرنسي السامي - أن الجزائريين المغتربين بفرنسا أصبحوا مصدر تهديد للأمن العمومي في هذا البلد وهذا يتطلب تحضير وتدريب قوات مكافحة الشغب على عقيدة مكافحة هؤلاء ويصبح شعار (وان.تو.ثري فيفا لالجيري) كلمة السر التي تستوجب تدخل قوات مكافحة الشغب.
الأكيد، أن هذه عيّنة بسيطة من ممارسات - ما خفي منها أعظم - تؤكد أن شعارات الإدماج والتعايش التي تتشدق بها الطبقة السياسية في فرنسا وحكوماتها المتعاقبة وشعار «الجمهورية الفرنسية» التي تقف على نفس المسافة من الجميع، ليست أكثر من خطابات سياسوية جوفاء موجهة للاستهلاك المحلي وذرّ الرماد على العيون، في حين أن الواقع يثبت عكس ذلك تماما، وأن هذه التصرّفات هي من تهدّد الاستقرار والأمن ومعادلة العيش المشترك في فرنسا وليس جزءاً من المواطنين الفرنسيين، ذنبهم الوحيد أنهم من أصول جزائرية أو مغاربية!!