تعكس أزمة اجتماعية واقتصادية تعصف بباريس

رقعة الاحتجاجات والمواجهات تتسع في فرنسا

أمين بلعمري
31 ماي 2016

إن موجة الإضرابات التي تشهدها فرنسا والتي اندلعت شهر مارس الماضي، احتجاجا على قانون العمل الجديد الذي أقرّته حكومة هولاند، ماهي في الحقيقة إلا الشجرة التي تغطي الغابة. ففرنسا تعيش أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة والمؤشرات المختلفة تعكس مدى خطورة المرحلة، ويكفي أن نسبة البطالة بلغت 10 من المائة، أي 3.5 ملايين فرنسي عاطل عن العمل كمؤشر واضح على ذلك.
إن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية لمواجهة هذه الأزمة، كان من بينها قانون العمل الجديد الذي لم يلق ترحيب النقابات العمالية، الأخيرة التي اعتبرته ردة على النظام الاجتماعي الفرنسي وتوجها نحو ليبيرالية متوحشة تطلق من خلالها الحكومة يد أرباب العمل والمؤسسات على حساب العمال، في حين أن السياسة الاجتماعية التضامنية تم التوصّل إليها بفضل نضال النقابات الطلابية والعمالية على مدار عقود كاملة، تحصل بفضلها العامل الفرنسي على حقوق اجتماعية ونقابية قلّ نظيرها في العالم.
لم يعد خفيّا أن الجمهورية الخامسة الفرنسية تشهد أحلك أيامها منذ تأسيسها العام 1958، إذا ما استثنينا إضراب الطلبة سنة 1968، فما عدا تلك الأحداث لم تعرف باريس المأزق الحالي الذي أصبح يهدد الانسجام المجتمعي في هذا البلد بسبب انتعاش اليمين المتطرف وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وكره الأجانب. والأدهى، أن هذه العنصرية لم تطل الوافدين الجدد على فرنسا فقط، لكن فرنسيين من الجيل الثالث والرابع من المهاجرين الذين لازالوا في نظر غلاة اليمين المتطرف الفرنسي يشكلون خطرا على التقاليد الجمهورية في فرنسا وهذا ما زاد من تعميق الهوة بين المواطنين الفرنسيين، في ظل ازدهار أو عودة فكرة «الأهالي» غير المعلنة أو المواطنين من الدرجتين الثانية والثالثة وهي أفكار لاتزال تستهوي الكثير من جهابذة العنصرية.
إن الإضرابات العمالية التي انضمت إليها نقابات الطيران المدني والسكك الحديدية، توحي بأن رقعة الإضراب ستتسع أكثر وأن البلاد مقبلة على حالة الشلل التام، بعد انضمام هذين القطاعين الحيويين في الاقتصاد. يضاف إلى كل ذلك، أزمة الوقود بسبب إضراب عمال مصافي التكرير، ما اضطر الحكومة اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي وكأنّ البلاد في حالة حرب، ما قد يضطر حكومة هولاند، المتمسكة بهذا القانون المثير للجدل، إلى تغيير موقفها، في ظل تصلّب مواقف النقابات، حيث لم تفلح قنوات الحوار التي فتحتها حكومة فالس للتواصل معها في إقناعها في العودة عن الاحتجاج والإضراب.
الأكيد أن هذه الأحداث التي تشهدها فرنسا، ستلقي بظلالها على الرئاسيات المقررة سنة 2017 في هذا البلد. كما يبدو أن العهدة الرئاسية الواحدة ستصبح تقليدا دشنه ساركوزي في ظل الجمهورية الخامسة، بسبب المهازل والأخطاء التي ارتكبها، أكبرها العدوان العسكري على ليبيا. وقد لا يكون حظ هولاند أحسن من سابقه في الانتخابات الرئاسيات المقبلة، في ظل ظهور مؤشرات عن تراجع شعبيته بشكل كبير. كل ذلك يبدو أنه يصب في خدمة طموحات ألان جوبي، الذي يبدو أنه أصبح يلقى قبولا أكبر في الشارع الفرنسي.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024