لقد أثبتت تجربة فتح السمعي البصري في الجزائر بأن تأخير العملية لم يكن خطأ بل كان استشرافا صائبا لأن ما يحدث حاليا في قطاع الإعلام يجرنا لمراجعة أنفسنا كثيرا للحفاظ على مكاسب الأمة والسيادة الوطنية وكرامة الأشخاص.
إن المطلع على تاريخ الجزائر،لا يستغرب حاليا ما يحدث من ارتفاع حدة الكراهية والبغضاء وحب الزعامة والوصول لتصفية من يخالف الرأي الآخر واعتماد الشائعات والتهجم على البعض، وحتى الساحة السياسية لم تخلو أبدا من التراشق والتنابز وحتى التآمر مثلما تحدثت عنه العديد من المذكرات والشهادات.
إن نجاح الإعلام هو في توجيه اهتماماته للتنمية من خلال نقل الاهتمام من الأشخاص إلى الأفكار والبرامج، وإرجاع الخدمة العمومية لعامة الشعب والتخلص من سيطرة الشخصيات الدخيلة على الساحة الإعلامية، مع ضرورة توسيع العمل الإعلامي للتحقيقات والربورتاجات لنقل حقيقة ما يحدث وكشف المفسدين والفساد الذي ينخر المجتمع على حد تعبير فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان.
وأزمة المؤسسات الإعلامية في الجزائر هي أنها تخلت عن الأهداف التي أنشئت من أجلها وباتت تنصب نفسها ناطقا باسم الشعب الجزائري وقاضيا يحكم على البشر والقضايا، ومعارضا ينتقد السلطة وكأنه حزب سياسي وغيرها من الأدوار التي يعتبر الإعلام في غنى عنها.
ويبقى التنبيه للمسؤولية أمر مهم جدا فحرية التعبير تقتضي تحمل مسؤولية ما ينشر وما يبث وعدم الاعتقاد بأن الصحفي أو مالك المؤسسة الإعلامية شخص فوق العادة أو لا يطبق عليه القانون، وحتى ما جاء به الدستور من رفع التجريم عن العمل الصحفي يجب أن يجعلنا أكثر حذرا لأن الثقة التي وضعت في الصحفي يجب أن يكون أهلا لها و إلا لن يكون التاريخ رحيما في حقه.
إن الانفلات الذي يعرفه السمعي البصري في الجزائر قد تكون عواقبه وخيمة من خلال توجيه الخدمة العمومية لتصفية الحسابات وزرع الكراهية وإحياء النعرات والفتنة بين أفراد الشعب الواحد، فعندما يحدث خلاف أو نزاع هناك القضاء يفصل بين الأشخاص والمؤسسات وعلى كل مؤسسة إعلامية أن تعرف بأن كل ما تبثه أو تنشره لن يغير في مجريات الأمور شيئا طالما أن القاضي يفصل بما يحدث داخل المحكمة، وحتى الرأي العام لن ينقاد بظهور مديري المؤسسات الإعلامية لتبرير مواقفها وتوجهاتها طالما أن القوانين والتشريعات تفرض قرينة البراءة والفصل بين السلطات والتزام الحياد والموضوعية.
وأظهرت مختلف المناسبات مدى تجذر العنف اللفظي لدى الجزائريين سواء في المجال السياسي حيث بينت مختلف الحملات الانتخابية المستوى الهزيل للخطاب الحزبي واعتماده في معظم الأحيان على تسويد كل شيء والتهجم على الأحزاب الأخرى وغيرها من المظاهر السلبية التي أثرت سلبا على الإعلام.
لقد تفوق علينا الآخرون من خلال توافقهم في الأفكار واختلافهم حول البرامج مع تقديم البديل والحلول وتفادي زرع الشقاق والنفاق بين أفراد الشعب الواحد والاعتماد على التنشئة الاجتماعية وتسبيق الصالح العام وخدمة قضايا الأمة المصيرية.
إن التحولات العالمية والإقليمية والمحلية تفرض على الإعلام وكل السلطات الأخرى الترفع عن الحزازات والمسائل الثانوية وضرورة الالتفاف حول البرامج والمصالح العليا للمجتمع لتحصين الجزائر والانتقال من مرحلة الشك إلى مرحلة الثقة ومنه الحديث عن الحضارة وحب الوطن.