سبق وأن تطرقنا في أحد ملفاتنا الثقافية إلى التراث اللامادي، ورأينا حينذاك الأهمية التي يكتسيها هذا التراث، وإدراك الشعوب قاطبة بأنه سبيل لمعرفة الآخر وتقبّل مبدأ التعايش السلمي معه.
في هذا العدد، نطرق بابا أكثر تخصصا في مجال التراث اللامادي، وهو الأدب الشعبي.. نوع من الأدب استطاع أن يبقى على مرّ الأجيال والعصور، ويستمر في تعريفنا بماضينا وصقل حاضرنا، ونحت الخطوط العريضة لمستقبلنا، بل وكان من أهم وسائل النضال حينما كانت القوى الاستعمارية تضرب في صميم الثقافة الوطنية، وتقوم بما في وسعها لطمس ملامح حضارة ضاربة في القدم.
لقد تنبأ أكثر من متشائم بزوال أدبنا الشعبي، تحت وطأة المستدمر فيما سبق، ثم بفعل أمواج العولمة العاتية، وما تفعله وسائل التواصل الحديثة بعقول أبنائنا وتمثيلاتهم للمجتمع والهوية. ولكن تراثنا الشعبي بقي صامدا، بشكل خارق للعادة، ولم يزُل على عكس ما تنبأ به هؤلاء.. فهل في ذلك سرّ أو ضربٌ من سِحْر؟
لعل السبب وراء هذا الصمود، هو أن للأدب الشعبي سمة رئيسة.. إنه يركب أمواج العولمة ولا يهابها، ويروّض أشكال الإبداع الجديدة فيجعلها في خدمة انتشاره وتطوره، فالأغنية مهما تطورت تبقى تنهل من درره، والفنون البصرية مهما تاهت في فضاء الإبداع تبقى متشبثة به كما تتشبث الباخرة بمرساتها.
الشعوب تتأقلم، وكذلك يتأقلم الأدب الذي تنتجه هذه الشعوب.. وما دام التغير سنة الحياة، فخير سلاح للبقاء هو تجديد الذات، دون التخلي عن الملامح الجينية الموروثة عبر الأجيال. فلنتأقلم إذن، من غير أن ننسى من نحن، ومن أين جئنا..